هذا الكتاب أملاه قلبي عليّ وشجعني عقلي على الإسراع في سطره، وما أشعر به مازال متأججًا داخل صدري، وقبل أن تنسحب العواطف ويبدأ المنطق في أخذ الزمام. فالثورات شديدة الرومانسية، ولا غرابة في ذلك؛ لأن الثورة في الأساس شرارتها الأولى حالة انقلاب عاطفي.

كان أول دخول لي إلى التحرير يوم الثلاثاء ، الأول من فبراير؛ قبلها كنت ثائرًا من منازلهم أو بالأصح، وأنا أؤمّن مسكني ممن أُطلقوا في الشوارع ليرهبونا. لم يكن هذا هو السبب الوحيد لتأخر وصولي؛ فالسبب الآخر اكتشفته، حين وصلت التحرير، وهو أنني قد فارقت سن مفجري الثورات، وأصبحت في سن التؤدة والحرص.

في التحرير قابلت وتناقشت مع أناس، عشت عمري بينهم، ولم يجر بيننا حديث فقد ربطونا سنوات في ساقية، لم يسمحوا لنا من خلالها برفع رأسنا لفوق، كي نتمتع بما ومن حولنا. فوجئت بشباب مثقف ذي حجة وأصحاب عقيدة.. لا أتكلم عن قائدي أو زعماء أو منظمي الثورة، ولكني أعني الشباب الذي أتى يناصرهم وثبت في وقفته.

شباب أكد نظريتي أن النظام حين أراد أن يثبِّت حكمه، حاربنا في التعليم؛ لأنه أراد أن لا نفهم؛ كي لا نسائله ؛ ويا لسخرية الأقدار أن يُسْقِطَ هذا النظام ما ظن أنه أفسده: جيل شباب رائع علم نفسه ما ضنوا عليه به.

هذا الكتاب ليس عن أحداث الثورة، وبالتأكيد ليس عمن قادوها؛ هذا الكتاب عن عواطف الثورة، ومن وقفوا في التحرير، وكيف وصلوا إلى الميدان في أوقات مختلفة ووفقًا لتطور مشاعرهم، ولكنهم في أخر الأمر توحدوا على حب بلادهم ولفظ الضيم.

لقد جعلنا النظام السابق، في لحظات يأس، نتشكك في أسباب حبنا لمصر، وما إذا كان هذا العشق منطقيًّا أم لا.. في التحرير أدركت أننا حين تشككنا، كنا في الحقيقة نكره النظام.. وفي التحرير أيقنت أن عشقي لمصر شديد المنطقية.

«ارفع رأسك فوق ...... أنت مصري»