من أقدم الفنون المصرية – على الإطلاق – فن الإنشاد الديني الذي بدأ منذ عهد الفراعنة؛ حيث لم يكن يتعلق بالمديح النبوي إلا منذ بدء البعثة النبوية المطهرة، ولم أجد كتابا يلقي الضوء على هذا الفن المتأصل في ذاتنا، يكشف حقائقه، ويتتبع مساره منذ نشأته، وهذا يبين لنا مدى النقص الذي تعانيه المكتبة العربية لعدم وجود كتب حديثة تهتم بالإنشاد الديني في مصر. فرأيت أن نلقي الضوء على هذا الفن الذي امتزج بنفوس المصريين منذ قديم الزمن، من خلال معرفتي الوثيقة به وبأشهر المنشدين.

ولم يكن الأمر سهلا – كما هو متوقع - فالمتاح إما مراجع قديمة تتحدث عن فترات تاريخية سابقة، أو دراسات أكاديمية تهتم بالعنصر الموسيقي في الإنشاد، لكن لا توجد كتب حديثة موجهة للقارئ العادي وليس المتخصص، توثق تاريخ وحاضر الإنشاد الديني في مصر، والدور الذي يلعبه في نفوس المصريين.

والحقيقة أن مصر هي أول دولة في العالم عرفت الإنشاد الديني، وهو الإنشاد المصاحب للطقوس والعبادات، وإقامة الشعائر والصلوات داخل المعابد عبر مجموعة من الترانيم ذات نصوص دينية عادة ما تكون غامضة المعنى، وجاءت أشهر هذه الأناشيد على الإطلاق للملك الفرعون إخناتون، ذلك الزاهد المتعبد والفيلسوف المتأمل.

ومع انتشار الديانة المسيحية، ظهرت في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الموسيقى الكنسية القبطية، وهي من أقدم الموسيقى الكنسية الموجودة، وقد وصفها عالم الموسيقى الإنجليزي ايرنست نيولاند سمث، بأنها إحدى عجائب العالم السبع.