وفد «أحمد بك» إلى المدينة الكبيرة للدراسة والتعلم، وقد تخرج بتفوق في مدرسته التي التحق بها، ثم أصبح معلمًا مرموقًا، وما هي إلا فترة وجيزة حتى تزوج من زميلة له، وقد علمته الأيام والسنون التي قضاها في المدينة الواسعة أشياء كثيرة، وأضافت إليه خبرات ما كان يحلم بها؛ فقد عاش بها، ونعُم بما فيها من إمكانيات صحية وعلمية واجتماعية كبيرة؛ لذلك لم يوافق «أحمد بك» على اقتراح والده بالعودة بعد الدراسة إلى القرية، وفضل أن يكمل حياته في المدينة، وقد أدى هذا القرار إلى خلق حالة من الفتور والجفوة في العلاقة بينه وبين والده، كما أدى زواجه من فتاة من المدينة إلى زيادة الفتور والجفوة أكثر وأكثر، فقد كان والده يرى أن زواجه من فتاة من خارج القرية خروج عن العادات والتقاليد التي تربوا عليها، وورثوها جيلًا بعد جيل، حقيقة لم يكن هذا القرار من قبل «أحمد بك» خطأ، أو جريمة، وإنما كان مجرد اختلاف في وجهات النظر بينه وبين والده، لاسيما أن «أحمد بك» كان يعلم جيدًا أنه - إن شاء الله - سوف يُنجب أولادًا، وأنه لن يتمكن من تربيتهم أو تعليمهم بالصورة التي يتمناها إلا في المدينة، إلا أنه كان يعلم أيضًا أن إغضاب الأب خطأ كبير لا يغتفر.. لكنه في نهاية الأمر فعل ما يراه من وجهة نظره الشخصية أنه الصواب، كما كان يؤمن بأن والده - إن عاجلاً أو آجلاً - سوف يقتنع بوجهة نظره، ويغفر له.