هذه مقامات بديع الزمان الهمذاني؛ وهو أبو الفضل أحمد بن الحسين، نشأ في أسرة عربية ذات مكانة علمية مرموقة استوطنت همذان، وإليها نسب، وتنقل بين أصفهان والري وجرجان وسجستان ونيسابور، أما وفاته فكانت في مدينة هيرات سنة (395هأ). عُرف بديع الزمان بكثرة إبداعاته، فكان أحد أهم كتاب النثر في العصر العباسي، ومن هنا جاء لقبه؛ فقد ارتبطت شهرته بإبتداعته الفن القصصي العربي، المعروف بفن المقامات. أما المقامات فهي أشهر مؤلفاته؛ وهي مجموعة حكايات قصيرة متفاوتة الحجم، جَمَعت بين النثر والشعر، تنم على موهبة لغوية فذة، وبراعة فائقة في توظيف المحسنات البديعية. يروي الهمذاني مقاماته على لسان عيسى بن هشام؛ وهو شخصية وهمية أخرى تتابع حركات البطل وسكناته، وتسرد كل أعماله وخدعة ومغامراته، فتغدو مشاركةً في صناعة الأحداث، وهذا مما يظهر أن الراوي والبطل كليهما يعيشان ظروفاً إجتماعية متشابهة، وينتميان إلى فئةٍ إجتماعية واحدة، تحمل المقامات همومها ومعاناتها، وتعبر عن رؤيتها للمجتمع وقيمه السائدة؛ فقد كان من أسباب نشأة فن المقامة إنتشار (الكدية) في القرن الرابع الهجري، ولا سيما في هذه المنطقة من بلاد فارس حيث نشأ الهمذاني. ويتضمن نسيج مقامات الهمذاني عدداً من الأنواع الأدبية؛ كالخطب والمواعظ والشعر والألغاز والأخبار، كما تنطوي على ضروب من الثقافة؛ إذ عَمَدَ في بعض المقامات إلى الإستشهاد بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، والإقتباس من الشعر القديم، ويزودنا الهمذاني في بعض مقاماته بمعلومات ذات صلة بتاريخ النقد والأدب. copyright: nwf.com©