نروم أن ننظر في هذا الكتاب إلى العربية من ركن لا يعليها ولا يزريها بل يخدمها ويعيد إنتاج بنات أفكارها بشكل جديد مستفيدا من مكتسبات اللسانيّات الحديثة التي رمت بجذورها وتفرّعت وأينعت وباتت قطافاتها دنيّة ممكنة لا في دراسة الألسن وحسب بل في الدراسات الأدبية والأنثروبولوجية وحتى في الرياضيات. الاستفادة غير الإسقاط وتكون بتوظيف مفاهيم لسانية ومبادئ نظرية في اتجاه معيّن في "قراءة" بعض المفاهيم النحوية أو البلاغية القديمة لا لبيان جدّتها أو قدمها بل للوصول إلى منافذ أخرى وغايات لم توصلنا إليها آليّات قراءاتنا القديمة. هل تعادُ قراءة العلوم كما تعاد قراءة النصوص الأدبية؟ بكل تأكيد لأنّ الفكر الذي قدمته لنا أجيال قادمة فيه خلفيات وأعماق وفيه مفاهيم نعتقد أنّا سبرنا أغوارها ولكنّا ما فعلنا غير أنّا قرأناها بأدوات متوفّرة لدينا لا تسمح إلا بقراءة من زاوية نظر وأمّا بقية الزوايا فإمكانات قابلة لأن تتفتّح متى توفرت لها الآليّات المناسبة. إنّ اللسانيات اليوم هي متصوّرات وآليّات قراءة أيضا ولكنّ ذلك لا يتوفّر إلاّ لمن رأى المفاهيم والمبادئ والاتجاهات اللسانية من خلفيّاتها وأحسن موضعتها منهجيا والحقّ أنّنا ما زلنا نعدم في الوطن العربي الصبر والجلد من أجل سبر الأغوار الفكرية وما زالت تعوزنا النظرة البصيرة لأنّ النظرة المبصرة لم تعد تكفي لرؤية مشهد لساني مركّب وقراءة تراث منشعب من الظلم الاعتقاد بأنّه مات وانتهى.