
Sign up to save your library
With an OverDrive account, you can save your favorite libraries for at-a-glance information about availability. Find out more about OverDrive accounts.
Find this title in Libby, the library reading app by OverDrive.

Search for a digital library with this title
Title found at these libraries:
Library Name | Distance |
---|---|
Loading... |
قبل حوالي مائة عام - تحديدًا عام 1917 - انتصرت الثورة الروسية المعروفة بثورة أكتوبر.الثورة! يا لها من كلمةٍ كبيرة! لم تفقد قوة جاذبيتها بعد. كما أنها تندرج ضمن أكثر المفاهيم السياسية استخدامًا. بل إن هناك أحد مرشحي الرئاسة الأمريكية الذي جعل منها كلمته الأساسية في صيف عام 2017 وبكل جدية، ووسط هتافات الشباب، وهو السيناتور "بيرني ساندرز" ذو الخمسة والسبعين عامًا.تشير كلمة "ثورة" على خلاف كلمتي "قيصر" أو "بروليتاريا" إلى الماضي وإلى الحاضر في الوقت نفسه، لا سيما إلى أوقاتٍ غير معلومةٍ وبها اضطراباتٌ ربما تكون لا تزال قائمة. هل يُعد هذا تفاؤلًا أم تشاؤمًا؟ إنها الواقعية.. كم من مرة أُعلن فيها موت الثورة لدرجة تجعلنا نتساءل عن مواصلتها الحياة.تمثل الثورات أحداثًا جِسامًا. حيث تزحف جموع البشر في الشوارع وتملأ الميادين وتقتحم الأبنية وتهاجم أصحاب السلطة لتصنع التاريخ. ليس هذا بالتعريف، بل هو مجرد توصيف يشير إلى أحد الخصائص الأساسية لها؛ فالثورات تمثل أحداثًا ذات مشاعر (لذا يُعد هذا الكتاب عاطفيًا). إذ تشعر الحشود الثائرة بالكره والحب في الوقت نفسه. وكلما زادت المقاومة ضد الثورة، قوي الشعور بالكره والحب لدى الثوار أكثر فأكثر. ليست الأفكار وحدها هي التي تتحرك أثناء الثورات، بل الأجساد أيضًا. لذا فهي عاطفية، ولا بد أن تكون عاطفية. وهي ملموسةٌ وليست مجردة. "البِنى لا تخرج إلى الشوارع"، أي أن الأبنية لا تخرج إلى الشوارع لأنها موجودة بها بالفعل. هذا ما جاء في أحد منشورات المتمردين في شهر مايو عام 1968 في باريس، وهناك منشورٌ آخر يقول: "الثورات أعياد، أو لعلها ليست كذلك".الثورة الجامحة تمثل حدثًا ذا مشاعر، وكذلك إخفاقها أيضًا، مثل "الربيع العربي". تقلباتٍ أخرى من النشوة والإحباط متوقعة، وأنا متأكدٌ من ذلك.. الحماسة أولًا، ثم العويل والشكوى. اثنان من المشاعر المتناقضة تمامًا، ليس فقط بسبب التحميل السلبي والإيجابي لها، بل لأن الحماس والإعجاب شعوران أقصر دوامًا وأكثر عمقًا من الإحباط. حيث يجرفك الحماس معه بينما يشدُّك الإحباط إلى أسفل.لقد ذاع صيت الكلمات التي وصف بها "چورچ فيلهيلم فريدريش هيجل" George Wilhelm Friedrich Hegel تأثيرات الثورة الفرنسية عام 1789 على أحاسيس معاصريها، حيث كتب يقول: "لقد ساد تلك الفترة شعورٌ بالتأثر رفيع المستوى، إذ غمرت حماسة الروح العالم بأسره كما لو أن نوعًا من التصالح الإلهي مع العالم قد حدث"( ). وما لبث الحالمون أن هبطوا على الأرض ثانيةً.تتمتع هذه السمة العاطفية للثورات بتوابع بالغة الأثر؛ فهي تبقى حية. إذ تنقل الروايات والقصائد والأغنيات والصور والأفلام المشاعر على مدار الأجيال، بل أكثر من ذلك، حيث تتكرر هذه المعايشات المتخمة بالمشاعر، وتُستحدث ليُعاد الإحساس بها. الثورات إذًا معايشاتٌ جماعية؛ أفعال تحررٍ جماعية، كما أنها وبكل أسف أيضًا فظائع تُرتكب جماعيًا.أما بالنسبة لجمالها؛ فإنها تلك اللحظة الدراماتيكية للتحرر. كتب الفيلسوف الاجتماعي والأب الروحي للطلاب المتمردين "هربرت ماركوز" Herbert¬ Marcuse في عام 1969 في "محاولة بشأن التحرر" أنه لا يمكن تحقيق التحرر إلا بالطريقة التي يشكل بها الأشخاص الأحرار (أو بالأحرى الأشخاص الذين هم بصدد أن يحرروا أنفسهم) حياتهم متضامنين. ويبنون عالمًا يفقد فيه الصراع ملامحه التي تتسم بالقبح والعنف من أجل البقاء( ). إنه تحوُّلٌ شاملٌ للمشاعر. إذ تحل معايشةٌ لقوة جماعية محل اليأس الذي ينتاب الفرد؛ "يعرف كل المكافحين بشكلٍ جماعي لحظة الإثارة الكارثية تلك، لحظة السعادة المكثفة، حتى وإن كانت زائلة. اللحظة التي تلي اكتشاف القوة الذاتية، قوة لم يشعر أحد بأنها كامنة بداخله من قبل"، هذا ما كتبه فيلسوف اجتماعي آخر وهو "فريدريك لوردون" Frédéric¬ Lordon، أحد أكثر الخطباء ثقافةً للحركة الفرنسية البديلة المعروفة باسم "nuit debout" أي "ابقَ يقظًا طوال الليل!"( ).وبقدر ما يعد التحرر جميلًا، يتسم العنف بالقبح... إذ يستطيع جموع الثوار في غمضة عينٍ أن يصبحوا جماعات جناة، قادرةٍ على ارتكاب أفعالٍ جماعية لم يكن أحدٌ منهم ليتجاسر على ارتكابها منفردًا، أيْ أن حضور الغاضبين الآخرين يقلل من عناء البحث عن مبررات لأعمال العنف.وليس علينا سوى الإنصات جيدًا لأغاني الثورة التي ينشدها الناس حتى الآن؛ حيث يتغنى الكثير منها بمديح الإعدام دون محاكمة. "فلنعلق الأرستقراطيين على أعمدة الإنارة!" هذا ما ورد في نص أغنية طبقة عديمي السراويل، الطبقة التي كانت تتفاخر بأنها...