اقتصاديات المعرفة وصناعة الإعلام: من أزمة التمويل إلى النماذج الاقتصادية الجديدة
ebook
By د. محرز حسين غالي

Sign up to save your library
With an OverDrive account, you can save your favorite libraries for at-a-glance information about availability. Find out more about OverDrive accounts.
Find this title in Libby, the library reading app by OverDrive.

Search for a digital library with this title
Title found at these libraries:
Library Name | Distance |
---|---|
Loading... |
إذا كانت ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات - التي شهدها العالم منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي - قد أثرت بشكل كبير في صناعة الإعلام، وأدت إلى حدوث تحولات جذرية في طبيعة النموذج الاتصالي التقليدي السائد، وفي طبيعة البيئة الاتصالية التي تعمل في إطارها هذه الصناعة، فإنها في الجانب الآخر قد أدت إلى حدوث تحولات جوهرية كبيرة في كثير من المجالات الأخرى، أهمها المجال الاقتصادي، حيث أسهمت هذه الثورة أيضا في تغيير طبيعة النموذج الاقتصادي التقليدي السائد، والانتقال باقتصاديات المجتمعات من نمط الاقتصاد القائم على التصنيع "الثورة الصناعية"، إلى نموذج الاقتصاد المرتكز على صناعة المعرفة وتجارة الخدمات "مرحلة ما بعد التصنيع". ويعد الاقتصادي الأمريكي الشهير Machlup أول من حاول التأصيل لمفهوم"الاقتصاد المعرفي"عام 1962، وقدم الباحث في إحدى دراساته المهمة وصفا مهما لعناصر ما يمكن أن نطلق عليه الاقتصاد المعرفي، ثم جاء من بعده Peter Drucker، الذي يعد واحدا من أشهر الرواد الذين أصلوا لهذا النمط من الاقتصاد الجديد، ويمثل كتابه "عصر التوقف The Age Of Discontinuity، الذي صدر عام 1969 أحد أهم المحاولات التي قدمت في هذا الإطار، وقدم من خلاله رؤية مستقبلية لماهية التحول المطلوب، وملامح الاقتصاد المعرفي الجديد وعناصره، ثم جاء بعد ذلك كتابه ذائع الصيت "المدير التنفيذي الفعال"والذي صدر عام 1991، ليمثل علامة فارقة في تحديد جوهر الاختلاف بين الاقتصاد القائم على الإنتاج والتصنيع والمواد الخام والآلات والأيدي العاملة، وبين الاقتصاد القائم على الفكر والإبداع والمعرفة والعلم، واعتبر Drucker أن النمط الثاني من أنماط الاقتصاد سيكون هو النمط المستقبلي بلا شك في ذلك، مهما تعاظمت الإنجازات والمكاسب التي حققتها ثورة التصنيع. كما يعد Marc Porat، واحدا من أهم الباحثين والمنظرين لهذا النمط من الاقتصاد المعرفي، وقد بدأت جهود هذا الباحث الاقتصادي في هذا الإطار منذ عام 1977، حيث قدم سلسلة من البحوث والدراسات التي تطرقت لوصف عناصر هذا النمط من الاقتصاد، وتناولت أهميته وضرورة تحول المجتمعات إلى تبني هذا النموذج الاقتصادي الجديد، إلى أن جاء الباحث الأمريكي Apte Nath، في عام 2004، وأجرى دراسته الشهيرة حول قياس حجم وأهمية قطاع المعلومات بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وتوصل إلى نتائجه المذهلة التي أشار من خلالها إلى أن نسبة مساهمة قطاع المعلومات والبحث العلمي وبراءات الاختراعات في الاقتصاد الأمريكي قد بلغت 46%، عام 1967، وزادت هذه النسبة لتصل إلى 67% في عام 1997، ومنذ هذا التاريخ بدأت أنظار العالم والحكومات والمجتمعات تتجه بقوة نحو هذا النمط من الاقتصاد المرتكز على المعرفة(1).وتشير الدراسات إلى أن صناعة المعلومات واقتصادياتها تشهد نموا ثابتًا في الولايات المتحدة، وأنه بحلول عام 1997، بلغت نسبة ما تمثله هذه الصناعة إلى حجم الاقتصاد الكلي، ما يقرب من 63.5% من إجمالي الناتج القومي، أي بمعدل نمو بلغ حوالي 7.5%. وأن صناعة الإعلام والاتصالات خلال هذه الفترة من 1976 إلى 1997 قد حققت طفرة في معدلات نموها من 2.79%، إلى 7.45%، وهو معدل نمو كبير يكشف عن أن اقتصاديات صناعة الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات تمثل أحد روافد اقتصاديات المعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية، كما في غيرها من دول العالم المتقدم. وأشارت الدراسة إلى أن ثمة اهتمام حقيقي من قبل الهيئات المسئولة عن رصد وقياس معدلات النمو في اقتصاديات المعلومات والقطاعات العاملة في إطارها، قد بدأ يتزايد منذ عام 1997، بالتركيز على قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واقتصاديات الصناعات الثقافية، والخدمات والأنشطة المرتبطة بها على مستوى إنتاج البرامج والتطبيقات، والخدمات الإلكترونية، وخدمات المعلومات، وعلى مستوى تقنيات إنتاج هذه الخدمات ونشرها وتوزيعها، باعتبارها واحدة من أهم القطاعات الرسمية المرتبطة باقتصاديات صناعة المعلومات، وواحدة من أهم القطاعات التي تمثل قيمة اقتصادية حقيقية مضافة للاقتصاد الكلي، وتشير الدراسة إلى أنه في ظل التطورات الراهنة التي فرضتها الثورة التكنولوجية، أصبح مدخل اقتصاديات المعلومات، أحد أهم المداخل والأساليب المنهجية في دراسة اقتصاديات المشروعات، خاصة تلك المشروعات ذات الطابع الثقافي والفكري (2)