تتخذ الحركة الاجتماعية منطقة وسطى بين السياسية بشكلها التقليدي، والسياسة من أسفل والتي تعبر عن المبعدين اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، فالدولة والنظام السياسي، بما فيه من قوى المعارضة التقليدية، في حالات الأزمة، لا يعبرون عن فئات المجتمع وطبقاته، بل تستبعد الأغلبية أحيانًا من عملية اتخاذ القرار وبالتبعية تقاسم الخيرات والموارد وفرصة إداراتها، وفى ظل تصاعد مشكلات المجتمع، تبدأ "قواه الحية" في التعبير عن نفسها، من خلال الحركات الاجتماعية، حين تخفق الدولة في أدورها اقتصاديا واجتماعيا وامنيا، وحين تتعثر المعارضة الرسمية في تمثيل مصالح الشعب، تفتح في هذا السياق، طرق لتشكل الحركات الاجتماعية، التي تواجه النظام وتسعى لتغيره، وترفع مطالب تتماس مع أزمات الطبقات الشعبية، وهنا تكون الحركة الاجتماعية تعبير عن أزمة السياسة والدولة معا، وتحاول تجاوزهما لخلق نظام جديد، وتشكلت في السودان حركات اجتماعية عديدة، بل تصاعدت حدة مواجهتها للدولة، فرفعت السلاح لتتحول لحركات تمرد مسلح.وأحيانا تصبح الحركة الاجتماعية حلقة الوصل، وأداة ضغط، رد فعل احتجاجي غاضب على سياسة الدولة، ومساعد للحركة السياسية الدافعة للتغيير، والتي تتجاوز اطر النظام، واحيانا تتجاوز قدرات الحركات الاجتماعية في التعبئة والجسارة في المواجهة ضعف القوى السياسية، وتلعب دورا بديلا لها، أو تتعاون مع القوى السياسية الراديكالية من نخب وأحزاب.تدفع تكوينات الحركات الاجتماعية وابرزها الحركات الطلابية والعمالية والمهنية إلى تغذية مشهد الاحتجاج، التمرد ضد النظام، يؤثرون في تهيئة المناخ للانتفاضة، عبر يوميات الاحتجاج وفصوله، والتي قد تمتد لسنوات، وتنتهى بأيام الانتفاضة قبل أسقاط النظام والتي تستغرق أيام أو عدة اشهر.وتعد تجربة السودان ما بعد الاستقلال نموذجا في تأثير الحركة الاجتماعية على المجتمع السياسي، سواء عبر الانتفاضات أو الانقلابات، أو تشكل الحركات الاحتجاجية النوعية.لذا من المهم معرفة دور الحركات الاجتماعية في تغيير النظام السياسي السوداني، خاصة في مرحلة حكم البشير والتي في تصورنا لعبت دورا مهما، وشكلت نموذجا يحتاج إلى دراسات مستفيضة، لأنها تعبير عن انتفاضة طويلة النفس، ولأنها نموذجا أفريقيا أصيلًا للثورة، له مميزات وسمات خاصة به وان كان يتشارك في سمات الحركات الاجتماعية عموما، والانتفاضات الثورية والشعبية في الوطن العربي منذ 2010.