"يتم التعاقد غالبا نتيجة مفاوضات ، قد تطول بين الطرفين ، فإبرام العقد تسبقه في معظم الأحوال مناقشات تدور بين الطرفين حول شروط العقد والتزامات الطرفين وغير ذلك من الموضوعات التي يرونها مهمة . وقد تنتهي هذه المناقشات إلى إبرام العقد ، وقد تنتهي إلى لاشيء لكن المهم سواء ابرم العقد ام لا ، فان هناك مفاوضات قد تمت ومناقشات قد دارت بين الطرفين بخصوص شروط العقد ، فكل منهما في مركز يسمح له بمناقشة الأخر فيما يعرضه أو يطلبه ، تلك هي الصورة المثلى والمعتادة للتعاقد كانعكاس لمبدأ سلطان الإرادة . فالإرادة هي التي تنشأ التصرف القانوني ، وهي التي تحدد مضمونه وأثاره ، ولا يقصد بذلك إرادة احد الطرفين ، بل إرادتاهما معاً ، فالعقد نتاج إرادة الطرفين ، وهي إرادة حرة في مناقشة شروط العقد على قدم المساواة بين الطرفين . لكن هذه الصورة المعتادة ، أو بالأدق التي كانت معتادة ، لم تعد تعكس الواقع الحالي ، فمن النادر في العمل ألان أن تجد كلا من الطرفين له إمكانية مناقشة شروط العقد نفسها بحرية ، كما كان الوضع من قبل ، بل اختل هذا التعادل بحيث أصبح احد الطرفين في مركز يسمح له بفرض شروط العقد ، وليس أمام الطرف الأخر إلا قبول هذه الشروط كما هي أو رفض العقد كله من دون تعديل أو حذف أو إضافة ،وهو ما يحدث في حالة العقود التي تبرم بين المنتج أو الموزع أو القائم على تقديم الخدمة من ناحية ، والمستهلك من ناحية أخرى . فنظرا إلى كثرة الإنتاج والتوزيع للسلع والخدمات ، وتشابك وتعقد سلسلة التوزيع وللسرعة التي تتم بها هذه العمليات ، وبالنظر لما يتمتع به المنتجون من قوة ونفوذ مقارنة بالمستهلك ، دأب المنتجون على وضع شرط مسبقة يحاولون فرضها ، من دون أن يكون للطرف الأخر حرية مناقشتها أو تعديلها ، وقد ترتب على ذلك أن اختل التوازن العقدي ، نظرا لاختلال المساواة بين الطرفين الذي يحكم العقود عموما ، ومن هنا نشأت فكرة الحماية القانونية من الشروط التعسفية ، فكيف تتم هذه الحماية من الناحية القانونية ؟."