تستدرجنا هذه النصوص كما يستدرج الندى سهول الأقحوان، تستدرجنا ولا تكفّ عن دعوتنا للالتزام بالشروط الفنية للكتابة، وبطقوس الالتزام بقضايا الناس والحزب والوطن التي امتلكها مهدي في سرّه الذي أصبح مجهورا، فاستطاع من خلالها أن يفتّت أكمام الكلمات ليرسم لنا لوحاتٍ متماسكة ومتشابكة من نسيج أيامنا الماضية تضيء مناطق الوجع من القلب، ومساحات الظلّ من حياتنا الحاضر، ونرى كيف يتمسّك مهدي بكلامه الخاص، وكيف يحرّك النسيج اللغوي على طريقته من غير تكلّف، فيذهب من فوره إلى الخلاصات والاستنتاجات بعيدا عن الفرضيات والإشكاليات، فيفاجئ الجميع، نثرا وشعرا وقصائد، ويقول اليوم، كما بالأمس، ما لا قدرة لنا على قوله أو إدراك، وفي النصوص التي تربو على الثلاثين، والتي تحمل رسما لافتا بريشة الفنان فارس غصوب، إضافة إلى الرسوم الأخرى التي تزيّن صفحات الداخل، لا يكتفي مهدي بالوقوف على أرصفة الأحزان، ولا عند محطات الشكّ، بل يذهب بعيدا نحو الأعماق، ويأخذنا معه، بحثا عن الحقيقة، فنراه كما عهدناه دوماً، يؤكد لنا أنّ أصدق الكلام هو الذي يحرّكه الحرمان، وأن العتمة لا تعادي النور كونها تدرك أنه لا بد سينتصر، وتؤرخ هذه النصوص للحظات من شريط العمر، تحمل توقيعا بخط يده، يزيّنها إهداء خاص لابنته "يارا".