هذا السفر من الشعر يحكي سيرة ذات من الإنسان طوحت به الحياة مديدًا في المكان والزمان، بعيدًا عن مهده الوارف في حضن الصحراء، واحته الخضراء، وعن غض الصبا والآفاق مفتحة على أشهى المنى، فجاس بعد جنته في ناعم الرمال من المدن والقرى، في شبه أدغال؛ وولى الشباب فشاب الفتى، فصحا العقل والغر وعى، وقد خاض من الوجود أحداثًا، وخبر نفوسًا من الأنام، ومن طعم الأيام ذاق، والليالي، حلوًا ومرًّا، فحقت وعود وخابت مساع، وطال به السير فرأى، وحاضره العابر به يسيل، أن يقف من رحيله وقفة المعتبر، ليقدر ما انقضى من حياته وما لم يزل، وأمسه قد صار ذكريات، وبقية العمر غيب في طي الغد، وهذه "المرآة" اليوم أمامه لا تكذبه، تعري له علاته وتعدد، فتفجعه بعد الذي مضى من شخصه "بوجهه المحتوم الآتي"، فعكف على نفسه يراجعها وتراجعه، ويحاسبها وتحاسبه، وعليها وعليه أشهد شهوده، الله في علاه، وروح أبيه في مثواه، وطيف الشابي شاعره الأثير، ووجه أمه المرحومة، وشخص الكريمة نجيبته، ربه وحِبه والنسب والعقب.