ليست التعددية الدينية هي السبب في إضعاف الدولة القومية أو الوطنية؛ وإنما غياب الطابع الوطني والقومي الحقيقي لهذه الدولة؛ وهو السبب الرئيس في تثبيت التمايزات الطائفية والعشائرية، وأحيانا في إعادة إحيائها، وفي الاستثمار الرمزي والسياسي والاجتماعي المبالغ فيه، وتحويله إلى أدوات وأطر للصراع الاجتماعي والسياسي؛ أي: إلى دول داخل الدولة، وعصبيات خاصة تنافس العصبية القانونية العامة التي تجسدها الدولة الأمة؛ فغياب الدولة الأمة يعني غياب دولة المواطنة التي تعني -قبل أي شيء آخر- ضمان الحياة الكريمة للجميع، والحرية لكل فرد، والمساواة الفعلية أمام القانون، والمشاركة العملية في القرار؛ فغياب مثل هذه الشروط عن السلطة العمومية يجعل الدولة الحديثة؛ بما توفّره لها الحضارة الصناعية، والتقنية من وسائل استثنائية للمراقبة، والضبط، والتحكم بحياة الناس، ومستقبلهم؛ مهددة كل لحظة بأن تصبح إطارًا لتكوين طائفة، أو عصبية دكتاتورية قائمة بذاتها في مواجهة المجتمع، وسببًا في دفع المجتمعات إلى بناء دول عصبية مماثلة ومضادة لها؛ تقف بوجهها، وتسعى إلى تأمين الحد الأدنى من الحماية، والأمان، والتعاون، والتكافل بين أبنائها، والكتاب الذي بين أيدينا الآن يعنى بمناقشة المسألة الطائفية، ومشكلة الأقليات من خلال أربعة فصول؛ جاءت عناوينها على النحو التالي: الأمة: الأقلية والأغلبية (ويشمل: البحث عن إجماع قومي جديد، والأقلية والعصبية الذاتية، والأغلبية الاجتماعية والأغلبية السياسية، والتاريخ العربي ومعطياته: المجتمع العصبوي)، وتوزيع السلطة وتقسيم الجماعة (ويشمل: العزل الاجتماعي، والعزل الثقافي، والعزل السياسي)، والنزاع الطائفي (ويشمل: هل هناك حل لمشكلة الأقليات؟، ووحدة الجماعة ووحدة السلطة)، وأخيرا مواد نظرية لدراسة المجتمع الطائفي (ويشمل: الأمة والجماعة، والثقافة العليا والإجماع الثقافي، والدولة والإجماع السياسي).