تتسم العملية الإدارية بالحركية والتفاعل المستمر مع العديد من المعطيات التاريخية، والمتغيرات الحالية، والمستجدات المستقبلية؛ فعملية الإصلاح الإداري تُعَدُّ جزءًا لا يتجزأ من عمليات التغير، وكان حتميًّا أن ينتج عن عمليات التغير هذه العديد من المشاكل التي يواجهها مديرو القطاع الحكومي؛ فهناك تحديات دالة لمتغيرات تتعلق بالمشاكل، وتتضمن هذه المتغيرات الآتي: العنصر الزمني؛ فكلما مر الزمن مع عدم حل المشاكل التي يمكن أن تتفاقم وتستفحل تحولت تلك المشاكل إلى تحديات، ودرجة الإلحاح؛ فكلما كانت هناك حاجة ملحة لحل المشاكل تحولت تلك المشاكل إلى تحديات، وتضارب الحلول؛ فكلما كانت حلول المشاكل محل لتنازع قوة متعددة ما بين معارض ومؤيد تحولت تلك المشاكل إلى تحديات، ونحن نقصد بالمشاكل هنا تلك المواقف الصعبة التي يصعب على وحدة من وحدات الإدارة العامة الخروج منها بحل واضح، ومحدد، وممكن التطبيق؛ ويترتب عادة على هذه المواقف نقص رفاهية المواطن أو على الأقل عدم الوصول إلى المستوى المأمول منها، أما التحديات فنقصد بها تلك الفجوات بين الواقع الموروث للإدارة العامة، والطموحات التي تستهدفها مستقبلًا، ولما كان مديرو القطاع الحكومي قد أوقعهم حظهم العاثر ما بين تلك المشاكل والطموحات فلا يوجد أمامهم أي مفر للخروج من تلك الفجوة إلا من خلال ممارسة الاحتراف الإداري لكافة عناصر العملية الإدارية، وهذا الاحتراف يتطلب ثلاث ركائز أساسية هي: الإلمام بالأصول والمبادئ والمفاهيم العلمية للإدارة بمختلف فروعها؛ كالتمويل، والإنتاج، والتسويق، وشئون الأفراد، وغيرها مما لا يتيسر الإلمام به غالبًا إلا من خلال دراسة تقدم في إطار متكامل، والتدريب العملي على كيفية وضع تلك الأصول والمبادئ العلمية موضع التطبيق، وتطويعها لمقتضيات الواقع، وأخيرا متابعة التطورات الجديدة في حقل الإدارة وفروع العلم الأخرى المرتبطة بها، والمداومة على استيعابها؛ حتى يتمكن من ممارسة وظيفته بكفاءة عالية في ظل ظروف دائمة التطور والتغير، وإلا سيحكم عليه في النهاية بالجمود والفشل، وهذا ما سنحاول الوصول إليه من خلال صفحات الكتاب الذي بين أيدينا الآن.