دعا ابن قتيبة إلى عدم التفريق في الوزن بين قديم ومحدث، فالشعر القديم قد يكون جيّدًا وقد يكون رديئًا، والمحدث كذلك، وعلى رأيه كل قديم كان حديثًا في زمانه، كما ودعا ابن قتيبة أيضا إلى التفريق بين الروح العلمية والذوق الأدبي، وذكر أن اشتغال الأديب بالمصطلحات الفلسفية لا يجدي، بل يضعف ذوقه، وإنما الذي يربّي ذوقه حفظ النماذج الأدبية وتقليدها، فابن قتيبة كما يقول إحسان عباس: "يكمّل دور الجاحظ في الدفاع عن العرب، والرّد على الشعوبية، ويتخذ هذا الرّد صورة مباشرة في مثل كتاب: "فضل العرب على العجم" أو "كتاب العرب وعلومها"، وصورة غير مباشرة في مؤلفات يراد بها إبراز ما لدى العرب من مآثر، ولهذا ينحو ابن قتيبة منحى الجاحظ في اتخاذ الشعر العربي مصدرًا للمعرفة، وكان لا بد لابن قتيبة من أن يتأثر بالجاحظ فيروي كتبه، وينقل منها، وكما تأثر ابن قتيبة بالجاحظ فقد تأثر العلماء الذين جاءوا بعد ابن قتيبة بأدبه ونقده، وكان لنقد ابن قتيبة أثر فيهم وفي مؤلفاتهم وآرائهم، ولذا عني الكاتب في هذا الكتاب بدراسة شخصية ابن قتيبة الناقد بين السابقين واللاحقين، وذلك من خلال ثلاثة أبواب، جاءت عناوينها على النحو التالي: تأثير السابقين في ابن قتيبة، وأثره في علماء القرن الرابع الهجري، وأخيرا أثره في علماء القرن الخامس الهجري.