إن دراسة تاريخ النظم الإسلامية يفترض أن تؤكد وحدة وترابط المجتمع الإسلامي عبر عصوره المتتابعة، وذلك من خلال مؤسساته السياسية والإدارية والقضائية والمالية والعسكرية وغيرها، وإن دراسة النظم لا بد لها أن تبرز أصالتها، بمعنى قدرتها على النمو والتطور والتفاعل والأخذ والعطاء ثم الإبداع، وأكثر من ذلك ارتباطها بالقيم والمثل العربية الإسلامية، وتأكيد صفتها الإنسانية التي استفادت وأفادت شعوبًا أخرى خارج نطاق المجتمع الإسلامي.,إن أصالة النظم لا تكمن فقط في أخذها وعطائها وتمازجها مع نظم أخرى سبقتها أو عاصرتها، وفي إبداعها نُظمًا جديدة وتطورها إلى الأمام في مجالات مختلفة من الحياة ظهرت بشكل أفكار ومُثُل وقيم طرحها مفكرون وإداريون وساسة وعلماء عبر العصور الإسلامية، بل في تطبيق هذه الأفكار ووضعها موضع التنفيذ بحيث ساهمت في بناء المجتمع ودفعت به خطوات إلى الأمام.,ومن المعروف أن النظم مثلها مثل مظاهر الحضارة الأخرى يتعذر بحثها بطريقة تجزيئية، كأن تدرس مثلًا الإدارة العباسية بمعزل عن الإدارة في الفترة الأموية؛ ذلك لأن النظام يعد سلسلة مترابطة تكمل بعضها بعضًا لا بد من دراستها بشكل متكامل إذا أردنا فهمها واستيعابها وتفسيرها، مع الأخذ في الاعتبار (حركة التاريخ) أو ما تسمى بالاستمرارية التاريخية التي تظهر أثر السابق في اللاحق.,ونظرًا لتشعب موضوع تاريخ النظم الإسلامية وتطوره عبر العصور المتعاقبة، فقد حاول المؤلف أن يراعي الشمولية التي تعالج الحقائق الأساسية التي يتوقع القارئ وجودها، وأن اختلاف وتعدد آراء وتفسيرات الباحثين المحدثين من عرب ومسلمين ومستشرقين يتطلب من كل مؤلف الحيطة العلمية والحذر والتقصي والدقة عند الاستعانة بالمصادر أو النظر في المراجع الحديثة التي ألفت حول الموضوع.