الحياة الإنسانية سلسلة من الحلقات العمرية تتعاقب بانتظام وفق سنن محكمة منذ بدايتها وحتى نهايتها, وأول هذه الحلقات العمرية بل أكثرها أهمية هي مرحلة الطفولة, وتنسب الطفولة في اشتقاقها إلى الطفل, أو إلى الصغير.وللطفولة طبيعتها الخاصة, التي تتصف بالضعف, واعتماد الصغار على الكبار في توفير متطلبات الحياة والاستمرار فيها,إذ ليس في وسع الطفل في هذه المرحلة أن ينمو من تلقاء نفسه, ولذلك كان من الضروري لوجوده واستمرار حياته ونموه السليم أن يقوم الراشدون من حوله ببذل كل ما يحتاج إليه من عناية خاصة( ).وقد عنيت الشريعة الإسلامية بالطفل فجعلت له حقوقا وعملت على حمايته والمحافظة عليه منذ كونه جنيناً في بطن أمه وحتى ولادته, حيث منحته حقوقاً متعددة وشرعت له من الأحكام ما يكفل استمراره وبقاءه واستمرار نموه, وأوجبت عقوبة على من يعتدي عليه,ومن ضمن حقوق الطفل حسن المعاملة والرأفة والرفق به ورعايته وحمايته وتأديبه وإتباع الطريقة الأمثل في تربيته والمحافظة عليه وحمايته من أي ضرر أو اعتداء( )، وقد نبذ الإسلام العنف والأذى بكافة الصور وأنواعه سواء كان العنف النفسي أو الجسدي( ).إلا أن العالم اليوم يشهد تحولات عميقة على جميع الأصعدة السياسية منها والاجتماعية والثقافية والدينية, يرى أثرها جليا في الغرب المتقدم الذي ينتشر فيه الفكر الإباحي والانحلال الأخلاقي والشذوذ الجنسي بما يتنافى مع الفطرة السليمة. ومن بين تلك المظاهر اللصيقة بهذا الفكر والتي هي في الأصل نتاج لظاهرة التحرش الجنسي التي أخذت أبعاداً كبيرة وصارت تمس كل الفئات من النساء والرجال وصولاً بالأطفال.وأما على صعيد المجتمعات العربية وفي الشرق تحديداً مع العولمة والاحتكاك الثقافي أخذت مظاهر الانحراف الأخلاقي بالانتشار نفياً للعادات والتقاليد والأعراف العربية المبنية على أساس الشريعة الإسلامية ومن أحد أشكال هذه الانحرافات الخلقية المنافية للفطرة السليمة هي ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال, التي أخذت تنتشر بصورة كبيرة جداً وقد حاولت هذه الدراسة الكشف عن أبرز العوامل الاجتماعية التي أدت إلي التحرش الجنسي بالأطفال وما هي سمات طرفي هذه الظاهرة المعتدي والضحية وفعل التحرش ذاته.