بقراءة السطر الأول فى هذا الكتاب، إنك تبدأ رحلة إلى مكان واحد، لكن تصل إليه بعدة طائرات؛ صورة واحدة ستراها بعدة نظارات، لوحة بعينها رسمتها لك عدة ريشات. كلمة واحدة، هى صربيا، يقدمها لك السفراء ويطرحها عليك المثقفون ويرسمها لك الفنانون، بعدة مرادفات؛ كل مرادف لن تراه إلا بعدسة الكاتب والرسام. فى العادة، يكتُب كل مؤلفٍ ذكرياته، فترتبط بالشخص؛ أما هنا فتُكتب ذكريات البلد عبر كُتاب مرموقين، فترتبط أيضاً بالمكان. ذلك هو ثراء هذا الكتاب، وتلك هى إضافته. بدأت فكرة هذا الكتاب عندما علمتُ بقرار نقلى سفيراً إلى بلجراد بصدور القرار الجمهوري رقم 373 لعام 2017 المنشور فى العدد 30 مكرر لجريدة الوقائع المصرية يوم الأول من أغسطس. كعادتى، منذ أيام الجامعة وربما قبلها، عندما يكون لدى تكليف مُعين، تكون نقطة البداية هى الاطلاع على "الأدبيات" السابقة، والتى ستصبح فيها بعد عند إتمام التكليف هى "البيبليوغرافيا"، أى قائمة المراجع. المراجع فى حالتى هذه هم السفراء السابقون فى بلجراد الذين سارعتُ بجمع بيانات الاتصال بهم، وبطلب التشرف بمقابلتهم؛ فلم يبخل أى من هؤلاء السفراء الرواد فى سرد قصته، والمشاركة بخبرته. وكنتُ ألحظ فى كل واحد وواحدة فيهم ملامح الاشتياق إلى زمن ولى، وذكريات قد تكون قد نُسيت، فى حنين إلى الماضى نعرفُه جميعاً بأنه "النوستالجيا". توالت تلك اللقاءات فى المكتب الذى شرفونى بزيارته حيث كان يصعب مبارحته نتيجة الارتباطات، إلا أننا استرقنا بعض فرص العشاء فى النوادى، وأولهم النادى الدبلوماسى المصرى العريق.