بحوث تاريخ الصحافة .. إشكاليات منهجية وافاق مستقبلية
ebook ∣ بحوث تاريخ الصحافة .. إشكاليات منهجية وافاق مستقبلية
By د. عواطف عبد الرحمن

Sign up to save your library
With an OverDrive account, you can save your favorite libraries for at-a-glance information about availability. Find out more about OverDrive accounts.
Find this title in Libby, the library reading app by OverDrive.

Search for a digital library with this title
Title found at these libraries:
Library Name | Distance |
---|---|
Loading... |
إذا كان التاريخ كما يعرفه ابن خلدون هو "خبر عن حدث" فإن نشأة المجتمعات الإنسانية وتطورها يُعد الحدث الأكبر في هذا الكون، ولذلك فإن أي حديث يتناول هذه المجتمعات مهما تباينت أبعاده وتفاوتت شموليته أو جزئيته يمكن اعتباره في المحصلة النهائية بمثابة صياغة الخبر، أي تأريخ أو تنظيم وعرض للتاريخ.ومن هنا تجيء الصلة الحميمة التي تربط العلوم الاجتماعية والإنسانية بصورة أو بأخرى بعلم التاريخ، وتبرز علاقات التداخل والتبادل بين علم التأريخ وسائر العلوم الاجتماعية على وجه الخصوص في مجالات الاجتماع والسياسة والصحافة. ولكن تتمايز العلاقة التي تربط بين الصحافة والتاريخ كعلمين ينتميان في الأساس إلى دائرة واحدة وهي دائرة العلوم الإنسانية التي تبدأ بدراسة الإنسان (أفعاله وعلاقاته) ذات فرعين متداخلين (إنساني واجتماعي) كفرد وكعضو في جماعة، وتسعى إلى محاولة اكتشاف القوانين التي تحكم حركة الكون ككل ودور الفرد والجماعات في تشكيل صورة الحياة من خلال الصور المتباينة للصراع والوحدة عبر الأزمنة المختلفة، وتتجسد مظاهر القرابة بين علمي التاريخ والصحافة في أن كليهما يدون قصة البشرية بصراعاتها وأحداثها وانكسارها وطموحاتها وهزائمها وإنجازاتها، وذلك مع اختلاف السياق الزمني الذي يتحرك في إطاره كل منهما.وإذا كان التاريخ يركز في الأغلب على شتى المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية للنشاط الإنساني مع منح عناية خاصة للأحداث الهامة والشخصيات المؤثرة في حياة مجتمعاتها، أي أنه يتناول كل ما هو جدير بالمعرفة نلاحظ أن الصحافة لا تقصر اهتمامها على الأحداث الكبيرة دون الصغيرة ولا تولي عنايتها للشخصيات البارزة فحسب، بل تحرص على أن تعرض صورة كاملة للمجتمع والعصر الذي تنتمي إليه من حيث إنجازاته وقصوراته وزعمائه وصعاليكه وجرائمه الفردية والجماعية، وأهم من ذلك كله تحرص الصحافة على تسجيل ورصد الأحداث الكبيرة والصغيرة على حد سواء. ويُعد الإعلام الوظيفة الأساسية التي بررت ظهور الصحافة وصاحبتها منذ نشأتها الحديثة في أوربا في القرن السادس عشر بعد اختراع المطبعة بما لا يقل عن قرن من الزمان، وظهور القوى الاجتماعية الجديدة التي قامت على أشلاء النظام الإقطاعي وحملت عبء بناء الرأسمالية الصناعية في العالم الغربي، وبمرور الزمن تعددت الوظائف التي أُلقيت على عاتق الصحف والصحافة وتباينت صورها طبقًا لاعتبارات عديدة أهمها طبيعة السلطة السياسية الحاكمة ونوعية القوى الاجتماعية التي تسيطر على مصادر النفوذ السياسي والاقتصادي علاوة على التركيب الحضاري والثقافي للمجتمع ككل.هذا وقد تفاوتت وظائف الصحافة من مجتمع إلى آخر، وتراوحت ما بين الإعلان والتثقيف والترفيه في المجتمعات الرأسمالية، والتعبئة والتوعية والتنظيم الجماعي والنقد الذاتي في المجتمعات الاشتراكية، ومساندة قضايا التحرر الوطني والتنمية المستقلة في دول العالم الثالث، وقد بقيت الوظيفة الأولى، أي الإعلام، هي القاسم المشترك للصحافة في ظل الأنظمة الاجتماعية والسياسية المختلفة.ولكن أُضيفت إليها وظيفة أخرى هي التوثيق التي ترتبت على ثورة المعلومات التي أصبحت السمة البارزة للعصر الراهن حيث أُلقيت على أكتاف الصحافة المعاصرة مسئولية تجديد المعلومات وملاحقاتها، وذلك بسبب دوريتها التي تسمح لها بهذا الدور أفضل مما يقوم به الكتاب الذي يتميز بضيق دائرة توزيعه وبطء دوريته عن الصحف( ). إذن فالإعلام والتوثيق يمثلان نقطة الاقتراب الوظيفي بين كل من الصحافة والتاريخ، وإذا كانت الصحافة المعاصرة قد أصبحت مرجعًا وثائقيًا لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنه، فإن ذلك يثير عدة إشكاليات تتعلق باستخدام الصحافة كمصدر للتاريخ ومدى اعتماد المؤرخين على الصحف كمصادر أولية أو ثانوية للبحوث والدراسات التاريخية.ويختلف المؤرخون بوجه عام في نظرتهم إلى الدور الذي تقوم به الصحف في البحوث التاريخية، ولكنهم يجمعون على شيء واحد هو أهمية المعلومات التي تتضمنها الصحف، وعدم استغناء المؤرخ عنها مهما شابها من تحيزات أو مبالغات، فهي تُعد مصدرًا أوليًا هامًا للتاريخ الوطني ولدراسة التطور الاجتماعي والسياسي والثقافي للمجتمع.