كتاب " الطريق الى جبل الشمس " ، تأليف . محمود عثمان والذي صدر عندار الفارابي للنشر والتوزيع ومما جاء في مقدمة الكتاب :كان المساء خريفيّاً عندما وصل إلى الريف. وعلى بعد أمتار من صومعته الحجريّة، كان الضباب يغطّي ظهر الحصان المربوط إلى شجرة الدلب. الضباب الكثيف الحنون يجلب النعاس إلى عينيه المتعبتين. الغروب يلتهم الأشياء. والجبل والسهل يحتكران الهدوء. والنسيم يهبّ عليلاً ممزوجاً بجلبة الأوراق المتساقطة خفيةً. والطيور تؤوب إلى أعشاشها. ما أسعد الحياة أيها الربّ العظيم، وما أشدّ غبطتي! ها هو قد بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنةً. لقد تسلّق السفح الوعر إلى أعلى التل. وها هو الآن يسرع في الانحدار على السفح الآخر، كصخرة تتدحرج أو كصهيل حطّه البرق من علٍ. قفل عائداً من المدينة. هناك حيث عاش مغموراً أقلَّ شهرةً من بقّال، وأقلّ شأناً من بائع قهوة. لقد نفر من وحشة الأنس إلى أنس الوحشة. بل تاقت روحه إلى الالتحام بالأرض والتلاشي فيها. ولذا حمل كأسه الفارغة ليملأها من جديد. وصل إلى فِناء البيت دون أن ينتبه إليه أحد. ولم يُبالِ بوجوده حتى أصغر الحشرات. وعندما حرّك المزلاج الحديدي سقطتِ الكأس من يده، فلم يُبالِ هو أيضاً. ثم دخل البيت وأخذ يلامس جدرانه المتغضّنة بحنانٍ هادىء.