لقد كانت شخصية الحطيئة في الجاهلية والإسلام شخصية غير متصالحة مع محيطها ومجتمعها، فنجده قد تعرض إلى هزات عنيفة في حياته، بدأت منذ طفولته، حين وجد نفسه ولدا لا يعرف من أبوه، لتتتابع عليه المصائب بعد ذلك، مما أثر في توجيه نفسيته وشخصيته نحو القلق، وسوء التكيف مع محيطه، وليتخذ الهجاء في شعره وسيلة دفاعية وهجومية في آن معا، وليتخذ المدح وسيلة للنيل والحصول على العطاء.ويبدو أن عدم التصالح هذا، امتد إلى ما بعد حياة الحطيئة، لنجد حكايات نسجت حوله أخذها الكثيرون على محمل الجد، مما زاد في تشويه صورته الإنسانية التي حاول مجتمعه النيل منها في حياته، وهذا مما منع الكثيرين من الاقتراب من حقيقة هذا الإنسان المظلوم، وهذا الشاعر الذي صاغ بشعره _ مدحا كان أم هجاء أم غير ذلك – معاني إنسانية راقية تمثلت في مدح الممدوح بما فيه من مكارم الأخلاق، وهجو المهجو بما فيه من مساوئ الأخلاق، فلم يلجأ إلى الفحش كما في شعر النقائض مثلا، ولو أردنا أن نحاسب الشعراء دينيا وأخلاقيا لوجدنا هناك من هو أولى من الحطيئة بالنبذ والازدراء، مع أنهم حظوا باهتمام نقدي، وتبجيل إنساني درج أدراج المبالغة.