هي فكرة قبل أن تكون أي شيء آخر, كانت بدايتها مع مطلع الألفية الثانية, يومها قمت بترجمة ورقة عن كوريا الشمالية ومنذ ذلك الوقت والرغبة تدفعني الى مزيد من الدراسة والبحث في طبيعة وبنية هذه الدولة وقدراتها وتفاعلاتها الاقليمية والدولية. وقد جمعت في مسيرة بحثي هذه العديد العديد من المصادر التي تمكنت من خلالها من كتابة أكثر من بحث علمي تناول دراسة كوريا الشمالية. واليوم أعتقد وقد أكون مخطئا في اعتقادي ان ما جمعت وكتبت يستحق أن يكون كتابا أقدمه الى القارئ العربي في محاولة متواضعة للتعريف بهذه الدولة التي لازالت تشغل حيزاً مهما من الاهتمام الإقليمي والدولي لما تملكه من قدرات نووية وصاروخية أثارت الرعب والفزع في قلوب أعدائها. وهي تقدم لنا نحن العرب إنموذجاً مهما لصبر وتصميم الشعوب رغم فقرها في الوصول الى أعلى مراتب العلم والتكنولوجيا لتقف في وجه كل الاطماع الاجنبية, أنها انموذج يستحق الاحترام والتقدير, وليتنا نستفيد من تجربتهم حتى نخرج مما نحن فيه لا أكثر.

لقد بقيت كوريا الشمالية مدة طويلة من الزمن حالة خاصة ضمن مجموعة الدول الخاضعة للحكم الشيوعي, ولذلك نجد أنها لقيت والى حد بعيد إهمالاً في ميدان الدراسات السياسية والشيوعية المقارنة وفي نواحٍ من نظامها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لم يتم النظر فيها على نحوٍ وافٍ. وتبدو كوريا الشمالية متباطئة كثيراً جداً في عمليات الإصلاحات السياسية والاقتصادية الحتمية التي سبقتها فيها العديد من الدول بأشواط بعيدة ولا سيما الصين. فكوريا الشمالية تواجه مشكلات أخطر بكثير على الصُعُد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, غير ان حزبها الحاكم ما زال يأبى أي نوعٍ من التغييرات أو الإصلاحات الأكثر جذرية.

وتقدم كوريا الشمالية صورة واضحة لتناقض صارخ في طبيعة وبنية الدولة وطبيعة علاقاتها الاقليمية والدولية, أنها تعكس حالة التناقض بين القوة بكل معانيها ومضامينها وما تمثله من خطر وتحدٍ على مستوى العالم اجمع, مجسدة في ترسانة قوتها العسكرية التي تضم برامج الصواريخ والاسلحة النووية, ومخاوف الانتشار المرتبطة بهذه التكنولوجيا. ومن جانب اخر حالة الضعف الداخلي والازمة سياسياً واقتصاديا وغذائياً, والتي تعد تهديداً حقيقياً للسلم والاستقرار الاقليمي والدولي. ولذلك تبرز اهمية دراسة تجربة كوريا الشمالية من اعتبارات مهمة عدة أبرزها:

1- طبيعة التطورات السياسية التي مرت بها شبه الجزيرة الكورية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الوقت الراهن.

2- واقع التقسيم الذي فرض بالقوة على الكوريتين وحكمته اعتبارات الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي.

3- سعي كل من الكوريتين الى محاولة أثبات الذات وتأكيد صحة وتفوق الأنموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تتبناه على غريمتها الاخرى.

4- ما شهده العالم من تحولات عالمية منذ تسعينيات القرن الماضي وتغيير أنظمة سياسية وتفكك دول عديدة وانقسامها يثير التساول حول مصير الكوريتين ومستقبلهما.

5- طبيعة الروابط السياسية والاقتصادية والأمنية التي ميزت تحالفات الكوريتين واستمرار بعضها وغياب أو اضمحلال أخرى, يطرح التسأول حول ما يمكن ان تمر به المنطقة من تحولات مستقبلاً.