كنتُ أدوِّنُ سيرةَ أمِّ الله مريم العذراء، عندما أعلنَ قداسةُ البابا بنديكتُس السادس عشر، هذه السنة سنةَ الكهنوت المقدَّس لمناسبة مرور ١٥٠ سنة على ولادة القدّيس جان ماري فيانّيه في السماء. قرأتُ رسالةَ البابا العميقةَ المعاني والعبَر، فاستهواني ما جاء حولَ القدّيس جان ماري. فأتَتْ على رأسي فكرةُ تدوين كتابٍ يعود بالفائدة إلى إخوتي الكهنة والرهبان والعلمانيّين في هذه السنة الكهنوتيَّة، فكان كتابَ زهيرات خوري آرسجمَّعتُ المراجعَ ورحتُ أقرأها وكلَّما تمعَّنتُ فيها كلَّما ازددتُ عشقًا لذاك الكاهن البسيط الذي استطاع أن يُغيِّرَ مجرى التاريخ ببساطته وعفويَّته، بتقواه وتقشُّفه، بصبره واحتماله، بانتصاره على التجارب وعلى الذات...هو قدّيس يُستحَقُّ التوقُّفُ عند سيرته، لما فيها من روحانيَّة وقدسيَّة، والالتفاتُ إلى ما قام به وعمل وعلَّم وقالَ ومارس. فالإناء ينضحُ بما فيه، وهو الممتلئ من الروح القدس ومحبّة الله، لا بدَّ أن يَنضحَ حبًّا وروحًا قدسًا على الذينَ حوله.حاولتُ في هذا الكتاب أن أجمعَ أكبرَ عددٍ ممكنٍ من الأخبار والروايات والأقوال التي قامَ بها قدّيسنا جان ماري فيانّيه، لأضعَها بين يدَي القارئ العزيز، استقيتُها من كتبٍ فرنسيَّة تُعتبَرُ أقدمَ الكتابات التي دُوِّنت حول هذا القدّيس. كما استندتُ إلى كتبٍ عربيَّة ساعدَتني في تعريب بعض أسماء العلم والأماكن.عسانا نغرفُ من الحبِّ ذاتِه والروحِ عينه لنسيرَ على خطاه ونبلغَ القداسة التي يجبُ أن يصبوَ إليها كلُّ مسيحيّ، فنتَّحدَ بالله الذي جعلَ نفسه إنسانًا ليشركنا في ألوهيَّته.