خدمة الشماس من أهم الخدمات الكنسية وأعمقها أثرًا في حياة الكنيسة على مر التاريخ منذ بداية الكنيسة في عصرها الأول فقد كانت البداية الرسمية لهذه الخدمة حلا عبقريًا للتعامل مع أحد تحديات بل وأزمات الكنيسة في مهدها واتسعت لتكون خدمة رسمية في كثير من الكنائس المحلية في العصر الرسولي الأول واشترك فيها المؤمنون رجالا ونساء دون تفريق وقد أصّل لها بولس الرسول في العديد من كتاباته أبرزها في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس الإصحاح الثالث.وبمرور الأيام والسنين أخذت هذه الخدمة أطوارًا متعددة كان الاتجاه الغالب فيها إلى الشكل دون الموضوع، والظاهر دون الجوهر. وتحول الحل المبدع إلى تقليد خامل ظل لقرون عديدة إلى أن أشرقت أنوار الإصلاح الكنسي الذي بدأ في الاهتمام بهذه الخدمة وركز الأضواء عليها وتناولها بنوع من نقد الواقع ومحاولة الإصلاح، وقد نجح في إزالة الكثير من الغبار الذي علق بها. ولكن مع الأسف بعد هذه المرحلة الهامة في تاريخ هذه الخدمة لم يتناولها الفكر المسيحي بالتجديد والتطوير وخصوصًا الفكر المُصلح وبقيت على حالها- ناهيك عن أوضاعها في الكنائس غير المُصلحة.لذلك أرى أنه لابد من استعادة التفكير في هذه الخدمة لأنها تعرضت - وخصوصًا في الفترة الأخيرة - إلى نوع من التهميش الذي جعل تأثيرها ضعيفًا وباهتًا بل والإقبال عليها قليلًا والاقتناع بها هزيلا. فقد تعرضت لأخطاء وسوء تعامل سواء بقصد أو بدون قصد جعلها خدمة بلا ملامح، ولقب بلا فاعلية، وجهود مبعثرة تفتقد وضوح الرؤية ورصانة الهدف.كل هذا دفعني إلى الرغبة في دراسة جادة وعميقة عن هذه الخدمة الهامة التي يمكن أن يكون لها شأن عظيم في كنيستنا ويمكن أن تصنع نهضة حقيقية في حياة الكنيسة وفي علاقتها بالمجتمع من خلال إحياء هذه الخدمة وإعادتها لتكون موضع بحث وحوار وتقييم وإبداع وتجديد.وقد حاولت مراعاة ثلاثة أبعاد مرجعية هامة وأساسية عند صياغة هذه الأفكار:الأولى: الصورة الكتابية الأصيلة التي يقدمها لنا الكتاب المقدس في عهديه لصياغة ملامح شخصية الشماس.الثانية: الواقع الذي نعيشه هذه الأيام وما طرأ عليه من متغيرات ومستجدات لابد أن نتناولها جيدًا بالتأمل والتفكير العميق.الثالثة: المستقبل الذي نحلم به الذي لا نكون مجرد منتظرين له بل مشاركين بفاعلية في معطياته.وقد انتهيت إلى أربعة أبواب أرى أنها تخدم هذه القضية:الباب الأول: التعريف اللغوي والاستخدام والمهام والمواصفات الكتابية ونظرة لخدمة الشموسية على مر التاريخ والكنائس التقليدية وتناولها لهذه الخدمة وشموسية المرأة وكافة القضايا النظرية لهذه الخدمة.الباب الثاني، التركيز على الشمامسة السبعة في سفر أعمال الرسل والأزمة التي واجهت الكنيسة وكيف تم التعامل معها.الباب الثالث، يتناول بالدراسة خدمة ثلاثة من أهم وأبرز الشمامسة في تاريخ الكنيسة والقضايا العملية التي يمكن أن نستخلصها منهما.الباب الرابع والأخير، يقدم محاولة لتشخيص المشكلة الحالية لهذه الخدمة ومبادئ للتعامل مع رؤية شخصية كمبادرة لإحياء وتفعيل وتنمية هذه الخدمة التي يمكن أن تدفع الكنيسة للأمام إذا ما تفاعلت الكنيسة العامة والمحلية وأعطت اهتمامًا خاصًا لهذه الخدمة، ثم نماذج من محاولات اعتبرها استرشادية للاطلاع والتقييم والاستفادة يمكن أن تساهم في تنشيط أفكارنا تجاه إحياء وتفعيل وتعميق خدمة ودور الشمامسة في خدمة الكنيسة والمجتمع. أرحب بكل اقتراح أو إضافة أو نقد لهذا العمل كما أصلي أن تكون هذه الدراسة إضافة حقيقية وباعثًا للتركيز على خدمة الشموسية في كنائسنا لمجد الله في الكنيسة والمجتمع.