"تكتب القاصة صبيحة شبر في إحدى قصصها على لسان واحدة من شخصياتها القصصية: من تنتظرين أيتها البلهاء؟

عندما تسمع صوت أم كلثوم الذي يعلن بتصميم: أنا بانتظارك.

أزعم هنا أن أغلب قصص هذه المجموعة لهذه الكاتب تتمحور حول انتظار الإنسان لقدره، أو انتظار لحبيب لا يأتى، أو حلمه بقضية خلاصتها تؤدي به إلى أقصى ما يتمناه: حياة كريمة، في عالم لا يحترم هذه الكرامة إلا فيما ندر.

""جودو"" الذي ننتظره في قصص ""صبيحة شبر"" يأتي أو لا يأتي، ولكنه في كل الأحوال إنسان مثلنا، لا يمكنه أن يقدم لنا أكثر من كلمة مواساة أوربما ينظر إلينا بعين المشاركة في الألم من دون أن ينطق حتى بتلك الكلمة، القاصة التي خبرت الحياة خيرها وشرها قدمت لنا عبر نماذجها الإنسانية في هذه المجموعة ما يؤكد أن الفنان الحقيقي مهما واجهته الصعوبات وعانى في دروب الحياة، فإنه يبقى ذلك المتشائم، نصفه متفائل ونصفه الآخر متشائم، كا تبقى البسمة الحانية يرسمها يرعه بتؤدة وانضباط معبرة في الكثير من الأحيان عن حزن دفين لا يمكن الإفصاح عنه لئلا يضيع معناه وجماله، هل للحزن جمال؟ ألم نقل عن ابتسامة الجيوكندا، ابتسامة تعبر عن حزن دفين وفرح غامض؟

القاصة عبر قصص هذه المجموعة استطاعت أن تقدم المرأة والرجل، وهما صنوان في عذابهما وكفاحهما ووقت سعادتهما وانتصارهما، متوخية فيما كتبت الصدق الفني، كأنما تأخذ من لحم الواقع ما يعطي مائدتها القصصية مذاق مجتمعاتنا العربية، مع حلمها أن تكون تلك المائدة غنية بكل ما يبعث في نفوسنا الأسئلة، ويبني داخلنا الإنسان الحقيقي، وبحكم معرفتي بهذه القاصة النبيلة، أعرف كم عانت في حياتها من أجل أن تحافظ على كرامتها كإنسانة وكاتبة، وكم من المغريات رفضت لتبقى كلماتها حرة فيما تقول دون أن تملي عليها سلطة عاتية خطابها السياسي، فتردد كغيرها خطاب الببغاء الذي لا يعني شيئا، ولا يبقى منه الزمن شيئا سوى ظلال وخبط عشواء، وفضلت أن تهاجر من وطنها العراق في زمن الدكتاتورية في أواخر السبعينيات من القرن الماضي سائحة في أرض الله الواسعة، ملتقطة شخصياتها القصصية من هذا المهجر وذاك المهجر، كما تفعل النحلة وهي تجمع عسلها النيئ لتصوغ منه فيما بعد أنشودة تتمتعا بها، ونستمع إليها في صمت الليالي في غربة المهجر ووقره وقلقه وصعوباته، وهي تدبج قصة قصيرة جديدة تغني الحياة والأمل واليوم الجديد القادم.

"