
Sign up to save your library
With an OverDrive account, you can save your favorite libraries for at-a-glance information about availability. Find out more about OverDrive accounts.
Find this title in Libby, the library reading app by OverDrive.

Search for a digital library with this title
Title found at these libraries:
Library Name | Distance |
---|---|
Loading... |
"انتهى المطاف بقرص الشمس إلى الأفق الغربى وقد شملها الهدوء والوجوم والأسى بعد أن ولى عنها زهو الفتوة وبريق الشباب ومضى شعاعها الشاحب يلقى بآخر خيوطه شرقًا تاركًا ظلال حزينة امتدت خلف صخور مبعثرة على جانبى قضيب قطار معدنى لامع براق تنعكس عليه بقوة تشى بحداثة صنع مادته الفولاذية التى وجدها ذلك العصفور الشارد الصغير مادة شاذة مغايرة لما يحيط به من مساحة مترامية من الرمال الساكنة سكون القبور فأخذ يتبختر فوقه ينتقل من جانب للآخر مطمئنًا فى جولة أخيرة قبل حلول الغروب السرمدى، لكن سرعان ما تبدل اطمئنانه ولاح الذعر والخوف فى التفاتات حذرة مترقبة مردها اهتزاز القضيب هزات عنيفة متزايدة تبخر معها اطمئنانه وطار محلقًا يعلن انتهاء جولته اليومية عند هذا الحد خوفًا وهربًا من ذلك الوحش الأسطورى الذى بزغ فى الأفق بغتة يندفع منقضًّا يثير حوله عاصفة من الغبار ينفث أدخنه سوداء من قمته بكميات ضخمة تشى بكميات كبيرة من الفحم المحترق داخل آلاته. كانت بداية عهد البلاد بالقاطرات البخارية على يد الخواجة الفرنسى (روبرت ستفينسون) الذى تم استدعاؤه من الحكومة البريطانية لصناعة أول خط سكة حديد فى مصر لخدمة مصالحهم وأطماعهم فى نقل ثروات البلاد، حتى أتَمَّ أول خط عام 1854م ثم تلاه سلسلة خطوط أهمها كان عام 1867م بين القاهرة وصعيد مصر، وكانت أحد أهم تلك القاطرة العجيبة على مرتاديها الذين لم يعبأ المسافرين داخلها باهتزازاتها العنيفة بل مكثوا فى استرخاء تام حتى أن أحدهم بدا مستغرقًا فى نومٍ عميق منذ بداية الطريق كمن لم ينم من قبل ولم يوقظه سوى صفير القطار الذى يصم الآذان يعلن اقترابه من الصعيد؛ فشرع ذلك الرجل برأسه يتلفت يمينًا ويسارًا فى بلاهه كمن استيقظ من الموت بغتة، يحاول استيعاب ما حوله لكن عقله كان ثقيلًا مشوشًا، كل شىء كان مريبًا، الركاب معظمهم من الخواجات والأجانب، المصريون منهم يرتدون طرابيش حمراء، تحسس رأسه فوجد هو نفسه يرتدى واحدًا، تركزت عيناه على امرأة تجلس على الكرسى امامه تبتسم له فى إشفاق:- شكلك كنت تعبان أوى يا مراد ده إحنا قربنا نوصل البلد ظل صامتًا مقطبًا حاجبيه محدقًا فى المرأة يتفحصها فى بلاهة وكأنه يراها للمرة الأولى ثم انفرجت شفتاه المرتجفتين - مراد مين!! أنا ما إسميش مراد، وإنتى مين وايه إللى جابنى هنا، فين فاتن وعزت !!؟ . فتحت المرأة فمها فى بلاهة هى الأخرى واقتربت بوجهها منه - مين دول، جرالك ايه يا راجل أنا نِهَاد مراتك"