إنّ دراسة السّيرة الشّعبيّة في هذه الأطروحة جعلتنا نرتحل عبر التّاريخ الحيّ المتحرّك، من خلال عصور مختلفة ورؤى متنوّعة وأصوات متباينة لنقف على حركيّة فعل النصّ الشّعبيّ، وهو يخطّ ملحمتين من أكبر الملاحم العربيّة على الإطلاق: هما ملحمة أبي الفوارس عنترة بن شدّاد وملحمة الملك سيف ذي يزن فارس اليمن. وقد أثبتت هذه الدّراسة أنّ السّيرة الشّعبيّة بهذا الشّكل يمكن أن تعتبر من صنف الأدب الملحميّ بمقاربة عربيّة سرديّة أصيلة. لقد جسّدت السّيرة الشّعبيّة التّجربة العربيّة الوجوديّة في علاقتها بالقيم والمبادئ الإنسانيّة. وكانت صورة البطل العربيّ مختزلة لذلك الوجود العربيّ في صراعه المستميت من أجل تحقيق الذّات والمثل الأسطوريّ الأعلى. لذلك تُعتبر صورة السّيرة الشّعبيّة صورة للمخيال العربيّ بواقعه ومعتقداته وطموحاته وآفاقه التّخيليّة. إنّ نصّ السّيرة الشّعبيّة غزير الدّلالات ويتضمّن طاقة رمزيّة متعدّدة الأبعاد، وهو ما جعل د. فوزيّة الصفّار الزّاوق تذهب في دراستها إلى التعدديّة التّأويليّة في هذا المقام مستنـدة في ذلك إلى قولـة ابن رشيق « لكلّ كلام وجه وتأويل». ولكن يمكن أن نذهب أيضا أنّ لكلّ كلام جنسا من القول مخصوصا يخضع لمقوّمات النّظام الجنسانيّ (Système générique) الذي ينـتمي إلـيه سـواء في المستوى البنائيّ أو التّركيبيّ أو الدّلاليّ. لذلك يجوز لنا أن نتحدّث عن بلاغة السّيرة الشّعبيّة ومنطقها وجماليّتها. وفعلا لقد ساهمت هذه الأطروحة المعمّقة والطّريفة في إنشاء النظريّة الأجناسيّة السّرديّة العربيّة من خلال المقاربة النصّية الميدانيّة عسى أن يفتح هذا المنهج الباب على مصراعيه لتأسيس هذه النظريّة حدّ الاستواء.