
Sign up to save your library
With an OverDrive account, you can save your favorite libraries for at-a-glance information about availability. Find out more about OverDrive accounts.
Find this title in Libby, the library reading app by OverDrive.

Search for a digital library with this title
Title found at these libraries:
Library Name | Distance |
---|---|
Loading... |
ثمة وباء استشرى في تلك البقعة المعشوشبة يساوق الكبرياء، وينفرد عنه في الضعة والانحطاط؛ ذلك هو الكبر، والمطامع الآثمة التي اتخذت جناحين للطيران؛ جناح المقدرة، وجناح الجنوح للرغبات الذاتية! لم تكن تلك الأرض المتميزة بخلع من الحسن والبهاء والرونق المتبرعم من الطبيعة الفينانة الآسرة بأشجارها الطويلة وأنهارها العذبة وأطيارها الصداحة بأعذب الأنغام؛ قادرة على طبعه بنسائمها العليلة ليلا، أو مناظرها البهيجة بمرتفعاتها ومنخفضاتها نهارا، كان رغباته منطلقة، وكانت انطلاقته جامحة، وكان جموحه جسورًا بحيث لم يردعه مبدأ عن الجسارة، والطلب الحثيث في ضعة وجور وافتراء! وفي غلس الليل الأليل بدأ حملة شعواء بحثا عن أخيه الصغير، والضعيف "نازف" قليل الحظ من الفروسية والقوة، والذي أضناه الخوف والرجاء، لكن الأول غلب الثاني فأجبره على الزحف في حنادس المجهول طلبا للنجاة والمأمن، أما "جبار" فلم يبقَ بيت يتوقع وجود "نازف" فيه إلا وفتشه شبرًا شبرا، وغرفة غرفة، وطامورة طامورة! أراد "نازف" الهروب من أخيه عندما عَلِم عن السبب الذي يبحث عنه لأجله والذي لا يقود إلا إلى الموت! تحيَّر "نازف"، فماذا بوسعه أن يفعل وشقيقه الأكبر والأقوى - والذي من المفترض أن يعطف عليه ويرعاه - يبحث عنه مستميتًا لأمر مَهُول، حاول الاختباء عند أصدقائه المقربين، ومعارفه الأثيرين، إلا أن كلا منهم عندما يعلم أن أخاه "جبارًا" هو الذي يبحث عنه، ويريده؛ لا يجد من نفسه إلا طاردًا صديقه المفضل الذي قضى معه الأعوام الطوال على الحلوة والمرة طردَ كلبٍ حقير أصابه داءُ السُعار، حتى لم يبقَ له في تلك الآفاق والأركان الظالمة أي منزل يأوي إليه، أو مسكن يتئد فيه ويقر عينا؛ فبدأ يسير في غابة موحشة موغلة في الظلمة في انتظار مصيره الذي يطارده وهو يكاد يجزم أن "جبارًا" سيجده في نهاية المسعى لِما خبر من أن لأخيه "جبار" نفوذا وسلطة ممتدة النطاق شاسعة الآفاق جريئة المقاصد غير هيابة أو رقيقة، فقد بدأ يكبر ويتعملق حتى أوشك أن يكون الرجل الأول فنشر عيونه في كل مكان بحيث لم يعد يُؤمن صديق أو قريب. فتناغمت تلك العيون في مهامها، متقنة في سعيها لمقاصدها، لا تسمح لشيء بالحؤول دون مآربها الخائنة!