هذه الدراسة رائدة، فهي الثمرة الأولى لسلسلة من أبحاث تلتها على هامش ندوة تابعها طلبتي في الدراسات العليا (الماجستير) من كلية الآداب بسوسة "في الذات والتلفّظ". كنت أتوقع عندها إقبال الطلبة على هذا المشروع. فالمقاربة، على شيوعها في الدراسات الفرنسية، لم تستقبلها بعد حلقات البحث العلمي في الجامعات العربية، فكانت كالذي يجيء على ظمأ وقد جعلت ثقة الطلبة وصبرهم، الإنجاز يتجاوز الآمال، فتلاحقت البحوث في المسألة: الراعي النميري ومروان ابن أبي حفصة وأبي العتاهية والبهاء زهير ونزار قبّاني ... تتقصّى جميعها آثار الذات في تشكّل الاختيارات اللغوية.هذه الدراسة رائدة وإن مضت عليها هذه السنوات. فهي، في ٱختيارها قراءة شعر عنترة في ضوء المقاربة التلفظيّة، تبدو كالمعترضة على منزلة شعر الشاعر في الثقافة العربية التقليدية والثقافة الحديثة. فهي تعترض على الرواة القدامى وقد غمرت أخبارهم شعر الشاعر وكادت تحجب صورته. وهي، في ٱعتدادها بالخطاب بديلا عن النصّ، وبسياق النشأة بديلا عن سياق التقبل، تروم أن ترد إلى الشعر ٱعتباره وتعترض على ما دأب عليه النقاد والمبدعون من طلب الشاعر إن في ما استأنفوا من الانصراف إلى الأخبار أو في ما أعادوا تشكيله من صورة شخصه في ما أبدعوا . وليس فضل هذه الدراسة في الريادة فحسب، وإن لم يكن ذلك بالأمر الهين، وإنما فضلها في ما ظهر فيها من حسن تمثل المنهج وتوظيفه ونجاعة النتائج التي انتهت إليها وتجديد وجه القراءة. وبعد فصاحبها قد انعتق من حصار الأسلوبية أو كاد ، وأدرك أنّ الخطاب تعالجه إنشائية مسكونة بذات، منتسبة إلى مكان وزمان. وهو لعمري مشروع حقيق بالتنويه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.