تحتلّ قضية البناء الشعريّ أهمية كبرى على صعيد تطوير القصيدة العربية الجديدة، إذ يمكن للشاعر بوساطة أنماط البناء المتعددة المتاحة والمتطورة باستمرار من تطوير أدواته وتوفير أحدث السبل للتعبير المبدع والجديد عن تجربته. وهو ما يتيح فرصة التخلّص الشعريّ الذكيّ من النماذج البنائية التقليدية التي قد لا تتلاءم مع طبيعة تجربته فتسقطها في أسر النمطية، التي تسعى عبر ممارسات شعرية صارت معروفة إلى أن تستمدّ جمالياتها من السائد والشائع والمألوف. إذ ((إنّ الحال الشعرية وما صاحبها من توقّد ذهني وإيقاعية ملحّة تسرع إلى مواقف مألوفة محددة بجاذبيتها الموسيقية، ومحددة بصداها في النفوس وكذلك بمضمونها المقرّر، والشاعر الكبير هو الذي يلتفت إلى تلك المشكلة أشدّ الالتفات ويحرص على أن لا يجعل لانفعاله هذه القوالب المتكررة، بل قد يكون له قاموسه التعبيريّ الخاصّ به، من غير أن يجترّ الصور اللغوية التي عرض لها من قبل)) ، وعلى هذا يمكن أن يحقق تميزاً وتفرّداً يتمخّضان عن شخصية شعرية هي أوّل ما يطمح الشاعر الجاد إلى تحقيقه. وربما كانت الشخصية الشعرية بمعناها الاستقلاليّ كفيلة بتكوين متن شعريّ ينتمي انتماءً حاسماً إلى الطبيعة الشعرية الخاصة لهذا الشاعر، في قدرته على تأصيل نموذجه في سياق النماذج المهيمنة على المشهد الشعريّ والإعلان عن تفرّده. العلاقة بين البناء والتجربة يجب أن تكون جدلية، لأنّ أيّ خلل يعتمد إغلاق حالة التكافؤ والتوازن بينهما من شأنه أن يجعل نموّ العملية الإبداعية ناقصاً، فـ (( الشكل هو التركيبة المادية أو البناء الشكليّ الذي يحدّ المعنى الداخليّ داخل إطاره أو سياجه، في محافظة منه على المحتوى النظريّ للمضمون، والعلاقة بين المضمون والشكل في الفنّ تعادل وتشبه هيئة الكلمة ومعناها)) ، على النحو الذي يجعل من النصّ الشعريّ كتلة إبداعية مشعّة وعالية التجانس والتلاؤم والتوحّد، لا يمكن بأيّة حال من الأحوال الحديث فيها عن شكل منفرد ينفصل عن رؤية مضمونية مستقلة.