إن قارئ الرعب لهو من أشد قراء العالم تذوقًا وحساسية, فهو يعشق التفاصيل، يتذوق الحامضي من القلوي، لا يبحث عن ألغاز ليحلها، أو عن حبكة تبهره، إنه يبحث عن الديكتاتورية الخام, يبحث عن الموقف الدقيق، عن الرجفة التي لا تعرف المزاح، يعرف متى يستمتع بالقهر والانضغاط, متى يقرض اظافره تحسبا لضربة فى الظلام, متى يفتعل كارثة من لاشيء، إن قارئ الرعب يستمتع بالتلامس الشبقي بينه وبين مخاوفه الأصيلة، بل إنه يقهرها في كل مرة يرتعد أو يتخيل نفسه مكان البطل، إن الرعب ليس في الشياطين والجن والمسوخ والأرواح المعذبة؛ لأنهم بالمقارنة بما يشتهيه قارئ الرعب مجرد ملفات يستحضرها في خياله ويجعل منها حكامًا ظالمين لمملكته، قارئ الرعب هو صديق الظلام وصاحب الظل ونديم البؤس الشجاع، هو القادر على ارتياد الأماكن ومناجاة الأرواح واستجلاب عبق الكوارث لمجرد أنه يريد ذلك، تحية لك أيها الصديقالسوداوي صاحب الذوق العميق والبصيرة النافذة، حتى لو لم يفهمك الآخرون، حتى لو وجدت الاضطهاد والطبقية من باقي القراء السخفاء، أنت الحقيقي وأنت الأصل في الحكايات، أنت وجدان الإنسان الأول حين لم يملك تاريخًا مزيفًا يستحضره أو بطولات وهمية يجترها، كنت أنت الأول حين قال لك الجد الأول أن هناك في الأحراش ثمة كياناتتنتظر الشجاع لتقهره وتجعل منه أضحوكة طفولية، أنت يا قارئ الرعب عدوٌّ مقيم للغطرسة والغرور الأجوف، أنت عدو النمطية وميزان اليورانيوم الحساس؛ لأنك أنت وبالتحديد أنت وبالقطع أنت.. أنت البطل.. أنت المسكون..