لقد اعنيت دراسات عديدة بالمدينة الإسلاميّة، لكن أكثرها اقتصر على الجزئيــّـــــات الإقليميّة في فترات محدّدة من تـــــــاريخها القديم أو المعاصر. واهتمّت بحوث ومقالات أخرى بمؤسساتها الدّينيّة والمدنيّة ومقارنتها بالمدينة الغربيّة. وأهمّ هذه الدّراسات تلك التي عنيت بوصفها في ضوء الدّراسات الغربيّة التي جاءت متضاربة في تقييمها وأحكامها سلبا وإيجابا ممّا دفع بعض الباحثين المعاصرين إلى الرّدّ عليها كي يثبت كيان المدينة العربيّة الإسلامية.ومن التّعريفات التي سلكت هذا الاتّجاه نذكر خاصّة مؤلّف المدينة الإسلاميّة للدكتور محمد عبد الستار عثمان وهو يركّز بالخصوص على التّركيبة المعماريّة للمدينة الإسلاميّة في تأثّرها بالحياة الدّينيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة، ولكنّ صاحبه ينزع في دراسته رغم الأمثلة المتنوّعة التي يعرضها إلى التّعريف النّظري الذي ينطلق من القوانين التّشريعية الإسلاميّة. وقد أفدنا كثيرا من عمله المنهجي.وما زلنا نشعر بانعدام الشّموليّة والقرب من الواقع المباشر في هذا الموضوع حتى بدا لنا أنّ رحلة ابن بطوطة معين إخباري فريد عن خصوصيّة شخصيّة المدينة الإسلاميّة. ثمّ تبيّن لنا أنّ هذه الرّحلة تذكّر في جزء منها، برحلة ابن جبير، وتأكّدت لنا أهّميّة هذه الوثيقة الثّانية في حياة المدينة في طورها السّالف، فكانت صياغة الفكرة وكان ميلاد هذه الدّراسة.