تتمظهر دلالة ((الشفرة)) ومعناها على المستوى المنهجيّ بوصفها المفتاح الأول والأصيل الذي يمكن بوساطته التحرّك المقصود نحو مقاربة الدوال النصيّة، والعمل على تحليلها وتأويلها وفتح مغاليقها، على النحو الذي يناسب قوّة خبرة الأداة وكثافتها وخصب معطيات النصّ معاً.وحين تكون الشفرة ((شعريةً)) فإنّ خواصاً إضافية جديدة تدخل محيط وجوهر الفضاء الشفريّ العام للدوال، بحيث تتصاعد الحاجة والضرورة إلى تأمل أكثر دقّة، ومعاينة أكثر عمقاً لفعالية التكوين الشفريّ للدال، وما يعكسه ذلك من تمثّل أوسع وأكثر شساعة لفضاء المدلول، ومن ثمّ ميادين لعبة المعنى اللائحة دائماً في أفق الدال.إنّ علاقة الشفرة بالدال هي علاقة إشارية مترابطة ومتواصلة، ينفتح من جوهرها الدال على استعداد شفرته التي تتحدّى سلطة القارىء، وتتعالى في سياق طاقتها المفتاحية لحلّ المشكل التدليلي في بنية الدوال، وبهذا تكون الشفرة عنوان الدال والمهيمن العلاميّ المتسلّط على فضائه بقوّة وهيمنة.من هنا يتشكّل ما يمكن أن نصطلح عليه ب (سيمياء الدال)، الذي يعني فيما يعنيه تسلّح الدال بطاقة سيميائية تؤهله للعبور المنتج والمخصِّب عبر قنوات النصّ إلى منطقة المعنى، وحين يكون هذا المعنى شعرياً فإنه يذهب إلى أقصى حدود الطاقة التي تجسّد أقصى الحضور وتشتغل بأقصى الفعّالية، إذ إنّ المعنى الشعريّ في أنموذجه الإشكاليّ ساحة لعب حرّة ودينامية ومفتوحة بشكل دائم على قوّة الاحتمال، تتجلى فيها كلّ المهارات والخبرات والبراعات وصولاً إلى استشراف (تجربة المعنى). هذا الفضاء النوعيّ المرتبط بمستوى القيمة في فضاء تجربة المعنى يستجيب لمنطلقات نظرية التلقي والقراءة، وهي تشرع على أنحاء متنوعة في تبنّي وإقامة وتأصيل حوار/سجال/صراع مع كوكبة الدوال المؤلّفة لنسيج النصّ، في السبيل إلى استخلاص الآليّات الخاصة التي تشتغل عليها لعبة المعنى الشعريّ.في سياق هذه العلامة البالغة الخصوصية تتقدّم فكرة المنهج بوصفها الأداة النظرية الأولى التي ترسم مسار القراءة، وتحدد سبلها وطرائق عملها، وهي تحمل في مقدمتها سهام الشفرة التي تدعم حضور العلامة وتضاعف تركيزها، وتمضي بها إلى حيث تتمكّن من تمثيل التجربة وتشعيرها في أرجاء لعبة المعنى.