"يتوفر المغرب على مجموعة فريدة من العادات التي ترجع إلى وقت مبكر والتي توارثها الناس جيلا عن جيل، وإن الذي يعنى بجمع هذا التراث ليجد نفسه أمام سجلات تزدان بمختلف التقاليد الجميلة، والنبيلة كذلك، بل إنه ليجد نفسه أحيانا أمام أعراف ترجع في مجموعها. كما لاحظ ذلك المؤرخون القدامى إلى آداب إسلامية وأصول عربية، ونوازع إنسانية، وأن العناية ببعث مثل هذا التراث لدليل عملي حقا على أننا- ونحن نبني للمستقبل- لا نحجم عن الالتفات إلى الماضي لنتلمس ما فيه من معاني السمو ومعالم الرقي، ولنرى كيف أن هذا العالم العربي سواء منه الذي يقيم في المغرب أو المشرق إن هو إلا ""وحدة"" تتجسم أيضا في العادات والتقاليد كما تتجسم في المقومات الأخرى، تتجسم في مختلف مظاهر حياتنا الاجتماعية، وفي صور تختلف قليلا في بعض الأحيان لتكون تامة وكاملة أحيانا أخرى. وسأحاول أن أستعرض في هذه السطور صورا للعادات التي تمس حفلة الزواج ببلاد المغرب، وبصفة خاصة مدينة فاس التي كانت منذ القدم أرض الميعاد لكل العادات التي وردت من الشرق أو الغرب، تلك العادات التي كونت ""القاعدة"" التي دأب أهل فاس على احترامها عبر السنين، وسأعتمد في عرض هذه الصور على وثائق هامة فيها المطبوع والمخطوط، المتوارث الذي امتزج بمفاهيم حياتنا والذي تلوكه الآن ألسنة ذوي الثمانين والتسعين ممن فتحوا عيونهم على حياة غضة لم تنل منها تيارات الدخيل في كثير أو قليل."