جلس ساكنًا فى الميكروباص المُتجه لمنطقة المنشية العريقة ليلة الخميس، اقتربت الساعة من الثانية عشرة مساء، والكُل فى حالة استرخاء، وكأن الناس قد اجتمعوا على إشباع مُتعهم الخاصة فى تلك الليلة التى لولاها لانفجروا فى الشوارع. نظر إلى الكورنيش القريب حيث تظهر قلعة قايتباى وقد سُلطت عليها الأضواء المُلونة احتفالاً بالألفية الجديدة، وانعكست ألوانها الجميلة فوق صفحة المياه الناعمة، مر بجوارها عدد كبير من مراكب الصيد التى أضاءت أنوارها القوية الملونة لتزيد الكورنيش بهجةً وراحة، عربة الأيس كريم الشعبية، المُزينة بالأعلام الخضراء، والصفراء، والحمراء، المكتوب عليها (حمادة العفريت )، شاب وشابة يتناولان الترمس، ويتجاذبان أطراف الحديث، وتحتهم مُباشرة، كُتبت عبارة باللون الأخضر العريض."الاتحاد سيد البلد". يعرف كل من بالإسكندرية، من يكتب تلك العبارة(جمال الدولى) الذى صنفته، موسوعة جينيس بالمشجع الأكثر جنونًا فى العالم . شاهد أب مكافح يجلس مع زوجته الهزيلة وثلاثة أطفال يأكلون الساندويتشات، تذكر أُمه المسكينة التى اعتدى عليها بالضرب مُنذ ساعة، ليحصل منها على إسورتها الذهبية؛ ليبيعها من أجل المخدرات!! نفض من رأسه ذلك اللوم المفاجئ الذى يُعد خطرًا بالنسبة لشخص مثله، مات فيه كُل شىء . نظر لسائق الميكروباص، الذى جلس يستمع إلى الست، وهو فى حالة استرخاء تام . الكل له مُتعته ومزاجه الخاص، إذن لماذا اللوم والعتاب، هو الآخر يبحث عن متعته التى لا تنتهى. اقتربت السيارة من النصب التذكارى للجندى المجهول. أمر السائق بصوته المُتحشرج الخارج من حنجرة أهلكتها الكيوف