بمرور الأيام أصبح الجزء العلوي من المنحدر المشرف على الوادي مقبرة لشهداء رحلة المليون، وكانت تكبر وتتوسع مع مرور الأيام ليحضن ترابها تلك الأجساد الطاهرة التي صارعت الموت بشجاعة نادرة، وعندما هزمها المرض والبرد والجوع عادت إلى أحضان تربة وطنها، وستظل تلك المقبرة شاهداً على غباء هذا الكائن الأحمق الذي ندعوه(الإنسان)، الذي لا يعينه عقله الجبار على التخلص من (جنون التأريخ) وأعني به الحرب والقتل والتعذيب والدم والخوف والقسوة. تلك النفوس الأبية التي رفضت أن تموت كالخراف، ولم ترحمها الأقدار، بل كان كل شيء ضدها حتى عوامل الطبيعة تلك السنة في ذلك الربيع المتأخر، حيث ضرب أبطال (ضةلىَ) مثلاً خالداً على رفض العبودية، وعلمت الأجيال كيف يجب أن نعشق الحرية مهما كان الثمن، فامتزجت دماءهم الزكية بدماء ألوف الشهداء الذين سقطوا بين أحضان الجبل عبر أجيال كثيرة، وكان درساً بليغاً للأجيال، بأن الحرية لا تمنح بسهولة.