ماذا يمكن أن نقول عن الشعر إذا كان الشعر في حدّ ذاته كينونة لا تُعرَّفُ، ولا يمكن إدراك كنهه، لأنّه ضرب من المستحيل، وألق من التجلّي الرابط بين البدايات والنهايات والرّافض لقانون المدّ والزجر؛ لأنّه برزخ يمتدّ بين الذي كان وسيكون؛ وإن شئت تحديدا أدقّ، هو اللّحظة الهاربة من التحديد ومن التشيؤ فلا هي بالتلاشي ولا هي بالمحدود، لذا عبّر العرب القدامى عن ضيائه بفلق من نور يتّقد من جذوة شجر الغَضَا، ويلتحِفُ بهالة من وَدَقِ السماء، فهو المعرّف دون تعريف، والوافد دون استئذان على القلب الرّهيف.لم تخطئ العرب في التحديد لكينونته القابعة بين الشِّين والرّاء، والحاضنة لعين الوجود والفناء، بل توغّلت أكثر لتجعل منه قاب قوسين أو أدنى من وجع السنا، وجعلته يتحرّك في ثلاثية ما قبلها، وما بعدها من أداء؛ إنّها ثلاثية الغمامة والدّهر، وما ترِثُ القبيلة من عداوة في الأفق وجراحات مناديل الجَوَى.