With an OverDrive account, you can save your favorite libraries
for at-a-glance information about availability. Find out more
about OverDrive accounts.
اللغة العربية لغة فريدة في خصائصها، فهي لغة قديمة متجددة، وهي لغة حية نشيطة ذات طبيعة خاصة بحكم كونها ذات دلالات خاصة بها حسب حالاتها الإعرابية التي تعتمد على حركة أصوات الكلمة الواحدة متأثرةً بعلاقاتها بالكلمات الأخرى خصوصاً السابقة عليها في معظم الأحيان.,ولا شك أن العرب كانوا يملكون لغتهم قديماً: فاستطاعوا أن يفرعوها اشتقاقاً وتعريباً وترجمة ونحتاً وابتكاراً أصيلاً في حدود ظروفهم ومزاجهم وسمات تفكيرهم التي يوجد بينها وبين اللغة انسجام وتوافق. ولا نبالغ إذا قلنا بأن مشكلة العجز عن الكتابة لم تكن موجودة، أو على الأقل لم تستقطب انتباه أحد قبل خمسين سنة(
)، بحكم أن أسلوب تعليم العربية كان منسجماً مع طبيعة هذه اللغة الكريمة. ولا يحق لأحد أن يفهم من كلامي هذا أنني أفضّل أسلوب الكتاتيب، لأن مثل هذا الفهم خاطئ ومرفوض، وإنما أقصد أن ادّعاء (العصرية) وادّعاء (التطوير والتحديث) يجب ألا يكون بإهدار حق لغتنا علينا في أن نتفهم طبيعتها الخاصة: طبيعة الحرف العربي بالذات، وكيف يمكن أن نستعمله على وجهه الصحيح دون تعسف أو تجاوز لحقائق طبيعته وخصائصه التي لا يشاركه فيها حرف آخر من أية لغة أجنبية. فالتطوير يكون في الأدوات والوسائل وفي الإمكانيات، ولكنه لا يكون أبداً في جسم المادة نفسها؛ فالطبيب الحديث مثلاً طوّر وسائله في إجراء العمليات الجراحية, وعمّق فهمه لجسم الإنسان، ولكنه لم يدّعِ أنه غيّر طبيعة جسم الإنسان المريض نفسه أو غيّر من تركيبه العضوي، لأن هذا الادعاء سيكون تجاوزاً ويرفضه أدنى العقول فهماً. كما أن أدواته الجديدة ووسائله الجراحية العديدة والدقيقة والجميلة لم تشغله عن تفهُّم جسم مريضه وكيف سيعامله معاملة نافعة بهذه الأدوات الجديدة الدقيقة. وكذلك لا مانع أن نطوّر من وسائل دراسة اللغة العربية، ولا مانع ـ مثلاً ـ من استخدام أحدث الأجهزة والوسائل كالمختبرات اللغوية أو المقارنات الصوتية أو ما شئت من الوسائل، ولكن يجب أن يكون ذلك على قاعدة صحيحة الفهم لطبيعة الحرف العربي وشخصيته الفريدة التي لا يجوز أن نطمسها بأي حال من الأحوال باسم نظرية شرقية أو غربية، أو تحت أي عذر من الأعذار، وإنما يجب أن نطوّر هذه الوسائل والأدوات حتى تتفق مع طبيعة حروف لغتنا، وليس العكس.