ظلّت القبيلة تمثل إحدى الثوابت الأساسية في تاريخ بلاد المغرب الوسيط والحديث وعنصرا هاما في التركيبة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وتلعب أدوارا متباينة مرتبطة بالظروف التاريخية.,وأنتجت التحولات الإقتصادية العنيفة التي أحدثها الإستعمار عبر المصادرات العقارية والتضييق على تنقلات القبائل والمجموعات السكانية الرعوية تبدّلات عميـقـة فـي أنـمـاط عـيـش السـكـان التونسـييـن عمومـا والرحـل منهــم عـلـى وجـه الخصوص.,إن التضييق المجالي والرقابة المنهجية وتعاقب سنوات من الجدب من ناحية وإكتشاف الفسفاط بجهة قفصة سنة 1885 والشروع في إستغلاله سنة 1897 وإقرار برنامج البادية الذي أحدث تحولات هامة في المشهد الريفي والعلاقات الإجتماعية سيسرّع أزمة الإقتصاد الرعوي التقليدي وبالتالي البداوة ومن ثمة إلى إضعاف تدريجي وثابت لفاعلية الهياكل القبلية وأشكال التضامن والتأطير التقليدين لفائدة الأشكال الجديدة.,وتراجع تأثير الأطر التقليدية المتمثلة في المؤسسة الطرقية ومؤسسة الأعيان هو إيذان بميلاد أطر وأشكال تضامن جديدين أبرز مكوناتهما وتعبيراتهما النقابات والأحزاب السياسية., ,ويبدو جليا أن تراجع دور المؤسسات التقليدية قد تأكد منذ التحركات العمالية الأولى (1919/1920) وما إنفك يتعمق منذ الإندفاعة النقابية في منتصف ثلاثينات القرن الماضي، فقد ضعف دور المشائخ وزعماء الطرق الصوفية ليحل محله التأثير المتعاظم للزعيم النقابي وهو مسار يكرس إنتصار الجديد على القديم.,ورغم كل هذا يظل العامل المنجمي / البدوي يشعر بالحنين إلى حياة البداوة إذ تظل البداوة كنمط عيش وعلاقات إجتماعية تقاوم من خلال المخزون القيمي الذي تتفرّد به والعلاقات الإجتماعية التي تحكم الأفراد والتي لا تزال حية إلى حدّ الآن وإن بدأت تضعف وتتلاشى تحت وقع المتغيرات الجديدة ونسقها المتسارع.,