لئن حصر علماء أصول الفقه فنّهـم في أربعة أقطاب أساسية هي الثمرة والمثمر وطريقة الاستثمار وحال المستثمـر، فإنّ ما يهمّنا هو المبحث الثالث، ذلك الذي يُعرف عند الأصوليين من المتكلّمين والشافعية بمبحث المنطوق والمفهوم ويُسمّى عند الحنفية بمبحث الدّلالات. والمبحوث فيه جزء من المفهوم تحديدا مفهوم المخالفة أو ما يُعبّر عنه أيضا بدليل الخطاب الذي بدوره يبحث في دلالة اللّفظ على ثبوت نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه والدّافع إلى طرق مثل هذه المسائل ما تثيره من قضايا فكرية فقهية جديرة بالبحث والتقصّي إضافة إلى الرّغبة العلمية التي كانت تحدوني منذ الدّراسات الجامعية الأولى وما كان يطرح من قضايا وأفكار يرى المختصّون ضرورة إخراجها في طرح جديد تحافظ على الثوابت وتواكب التطوّر الحضاري في مختلف مجالاته، الفكرية والاجتماعية من جهة والتأصيليّة المقاصدية من جهة أخرى، فتسهم في إثراء المكتبات المتخصّصة في العلوم الإسلامية بشتّى فروعها من فقـه وأصوله وعلوم قرآن حديث. ,وما زاد تعلّقي وشغفي بخوض غمار هذا البحث هو خلوّه –حسب إطّلاعي المتواضع- من إفراده بكتابة خاصة مستقلّة بالرّغم من وجود بعض الرسائل العلمية التي بحثت موضوع المفهوم إجمالا من أمثال رسالة ماجستير مقدّمـة من قبل الطالب "عمـران محمد سعيـد" بعنوان "دلالـة المفهوم أنواعه وحجيتـه" بجامعة الفاتح تحت رقم 192 ورسالة مرحلة ثالثة مقدّمة من الطالب "محمد دبّـاغ" بعنوان "القواعد الأصولية في بدايـة المجتهد لابن رشد" بجامعة الزيتونة موجودة بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقم 244695. ولقد كانت المعلومات حول الموضوع المطروق "مفهوم المخالفـة وأثـره في الاختلاف الفقهـي" مبثوثة في بطون الكتب حتى شُرّفت بالتنسيق والجمع بينها بعسر ونصب شديدين تبدّدا وهانـا وانجَليَـا ما إن انبجس هيكل هذا البحث الذي آثرتُ تقسيمه إلى جانبٍ نظريٍّ أحاول فيه تحديد مفهــوم المخالفة وموقف العلماء منه سواء أكان إيجابيا إثباتيّـاأو سلبيّا دحضياعاقدا موازنة بين طريقة المتكلّمين ونظيرتها الحنفية في معالجة هذا الإشكال الأصوليّ ثمّ الوقوف على الشّروط التي سنّها القائلون بمفهوم المخالفة وحصر لمختلف أنواعه