تلك مسلّمةٌ تبدو وكأنها لم تعد قابلة للنقاش، رغم ما تثيره من ضيق في نفوس أولئك الذين ما يزالون يتمترسون في خندق الشعر، فالتحولات الدراماتيكية التي عصفت بالعالم في العقود الأخيرة ألقت بظلالها على الأدب أيضاً، فكان أن انحسر ذلك الذي ظلّ يتباهى بأنه ديوان العرب، ومضى مغادراً الأضواء إلى حيث الكواليس، فيما ظهر السرد بطلاً مطلقاً يخطف البريق، ولسان حاله أن الرهان عليه بلا شك رابح.,,ليس في ذلك انحياز أعمى، ولا يُنبغى منه الدعوة إلى إطلاق رصاصة الرحمة على نوع أدبي أدّي رسالته، فكفّى ووفّى كما يقولون، وما يزال يُعَوَّل عليه الكثير، بل التبشير بأن السرد سيّدُ الموقف، كيف لا وقد أبدى استعداده لمحاكاة الحياة، ومناوشتها، ومراوغتها، والتوغل في ثناياها، وإحالة المشهد فيها إلى صورة مطعّمة بالكلمات تتخذ سمة الديمومة والخلود.,وأكثر من ذلك، كشف عن وفاءٍ منقطع النظير لما تنطوي عليه الحياة من دبيبٍ أجادَ الإنصات إليه دونما كدر أو تبرّم.,,فالحياة مادةُ السرد وخامته الأولى، يطوّعها الكاتب ويعيد تشكيلها كيفها شاء، وفق رؤيته الجمالية وأسلوبيته الخاصة، من هنا جاء عنوان هذا الكتاب "سرد الحياة"، فالحياة غنية بما هو جدير بالسرد، والسرد يثري إذا ما استوحى دفقات الحياة، وتشبّع بها.,يضم الكتاب زهاء أربعين مقالة، تتناول نصوصاً روائية ومجموعات قصصية عربية، تم التعامل مع كلّ من هذه الأعمال بوصفها مادة جملية تجترح أسئلتها الخاصة، وتتفرد في سماتها عن سواها، وقد كُتبت المقالات استجابةً للأثر المتحصّل بعد قراءة الأعمال الأدبية، كل على حدة، دون الخضوع لبرنامج قراءة معدّ مسبقاً، وبمنأى عن أيّ خطك مدروسة في هذا السياق، هذا ما يفسّر حضوراً لتجارب سردية وغياباً لأخرى في البلد الواحد، مثلما يفسّر انصباب التركيز على نتاج سردي في بلدان عربية أكثر من سواها، وهو يفسّر أيضاً التباين في مستوى التجارب التي جرى تناولها، من حيث التقنية والموضوع، والتفاوت في الدّربة وخبرة الكتابة.,