ثقافة العنف ومصادرها

ebook

By حسن عبد الرازق منصور

cover image of ثقافة العنف ومصادرها

Sign up to save your library

With an OverDrive account, you can save your favorite libraries for at-a-glance information about availability. Find out more about OverDrive accounts.

   Not today

Find this title in Libby, the library reading app by OverDrive.

Download Libby on the App Store Download Libby on Google Play

Search for a digital library with this title

Title found at these libraries:

Library Name Distance
Loading...

تعتبر مسألة العنف من المسائل المُهمّة والملحّة في هذا العصر نظراً لما يسود العالم من أحداث عنيفة، سواء على مستوى العلاقات بين الدول والشعوب أو على المستوى الداخلي في كل مجتمع على حدة. ولا يستطيع أحد تجاهل حقيقة كون العنف صفة فطرية موجودة في الكون بما فيه من كائنات حية أو ظواهر طبيعية، لأن العنف مرتبط بوجود الطاقة (أو القوة)، ولذلك فنحن نقول مثلاً: (هذا بركان عنيف). ,والمشكلة ليست في (وجود) هذه الصفة، لأن هذا الوجود شيء موضوعي محايد، وإنما المشكلة هي كيف يستخدم الإنسان هذه القوة الموجودة عنده؛ بمعنى أن المشكلة في (الفعل) الذي يقوم به هذا الإنسان وهل هو نافع ومفيد له أو لغيره من البشر (أي أنه خير)، أم أنه فعل مدمّر أو مؤذٍ (لأنه شرّ). ومن ذلك نلاحظ أن هناك نوعين من العنف؛ أحدهما هو العنف الموجود في الظواهر الطبيعية العنيفة كالزلازل والبراكين والسيول والأعاصير وغيرها، ولكن العنف بهذه الصفة له معنى آخر غير المعنى الذي يتعلق بأفعال الإنسان، والذي نسمّيه (العنف المعياري)، أي العنف الذي يخضع للمعايير، فنحكم عليه بأنه (خير) أو أنه (شر)، بينما العنف الذي في الطبيعة هو عنف (فطري محايد) من الناحية القيمية، بمعنى أنه لا يجوز أن نخضعه للحكم القيمي الذي نطبقه على أفعال الإنسان، لأنه خارج نطاق تلك الأفعال، فكيف نحاكم الطبيعة بقوانيننا ومقاييسنا؟ , الإنسان كائن حي له متطلبات أو حاجات عضوية وفيه غرائز، هذا من الناحية الأولى، وكلاهما (أي الحاجات والغرائز) تحتاج إلى الإشباع المستمر ما دام الإنسان حياً: فالحاجات العضوية هي باختصار (الغذاء) بمعناه الواسع، وأما الغرائز فكثيرة ومعروفة، وأهمها غريزة الجنس، التي تحفظ النسل وتدفع الإنسان (ذكراً أو أنثى) بقوة لكي يسعى إلى تكوين ,أسرة. ومن الناحية الأخرى فالإنسان له عقل وضمير، مقابل ما له من الحاجات والغرائز، كما أن عنده الإرادة الفاعلة التي تنفّذ أوامر العقل وتجعل الإنسان سيد الموقف إذا اهتدى العقل إلى اختيار الصواب وابتعد عن الخطأ. كما أن الضمير يجعله لا يرضى إلا باختيار ما يتفق مع القيم السامية وما ينفع البشر. وكذلك عنده (الذوق) الذي يدفعه إلى اختيار الأشياء الأكثر جمالاً سواء كان جمالها مادياً (كالأزهار الجميلة وكل شيء جميل)، أو كان جمالها معنوياً (مثل الأخلاق الحسنة والأفعال الخيّرة)، لأن كلا النوعين (الحِسّيّ والمعنوي) يصبّان في النهاية في مجرى واحد هو مجرى الحياة السليمة الفاضلة التي يعيش فيها الإنسان بحريته وكرامته. وهذا هو أساس الثقافة الإنسانية الرفيعة التي يجب أن تكون الدستور الدائم لتربية الأجيال، حتى تتمكن من الاختيار الرشيد الواعي للخير والبناء والسلام الاجتماعي القائم على احترام الآخرين وحقوقهم.

ثقافة العنف ومصادرها