يوجد إتفاق بين مختلف إتجاهات التنظير السوسيولوجى، على أننا نعيش فى عصر التفكيك، حيث إنتهى عصر الكيانات الكبيرة والمتماسكة، سواء على مستوى الواقع المادى أو على المستوى المعنوى والنظريات. تأكيداً لذلك أنه إذا كان تنظير ما بعد الحداثة قد غابت عنه السرديات الكبرى، فإن واقع العولمة، المناظر لعصر ما بعد الحداثة، على صعيد المعانى، شهد تفكيك الوحدات المتماسكة على مختلف المستويات. فقد إنتشرت الفردية والتجزئة أو لنقل الذرية على كل الساحات، فالعائلة التى كانت متماسكة إنهارت، وسقطت آليات الحفاظ على تماسكها، ونتيجة لذلك إرتفعت معدلات الطلاق. بل إنا لاحظنا العزوف عن الزواج والاقبال على تشكيل الأسر، وتفضيل البقاء عند مستوى الحياة الفردية، حيث أصبح فى إمكان الفرد فى إطارها أن يكون قادرا على إشباع حاجاته الأساسية مباشرة من السوق دون الحاجة لأسرة.,وبنفس المنطق تبدلت العلاقات الاجتماعية، التى كانت ذات طبيعة جماعية بالأساس، تستند إلى عواطف ومشاعر الجماعة التى تتحقق هذه العلاقات على ساحتها. سواء كانت الجماعة القرابية أو جماعة الأصدقاء أو حتى جماعة العمل، وحلت محلها العلاقات ذات الطبيعة المنفعية والمصلحية، وهى علاقات لا تعبر عن عواطف جماعية، بقدر ما تعبر عن مطامع فردية أنانية ينشدها أطراف العلاقة من تأسيسها. وإلى جانب أن العلاقات الجماعية ذات طبيعة تجميعية، لكونها تعمل على أن يشكل الأفراد المتناثرون جماعات، ومن ثم فمضامين هذه العلاقات تتصف بالدوام والاستمرار. فإننا نجد أن العلاقات الفردية التجزيئية ذات طبيعة مؤقتة، تنتهى بمجرد أن تبدأ، أو بمجرد أن يتحقق الهدف منها. وإذا كانت العلاقات الجماعية تعمل على تشكيل المجتمع الواسع، فإن العلاقات الفردية النفعية تعمل على تفكيك الجماعات إلى أفراد، يتجمعون إلى جانب بعضهم البعض، ويشكلوا نموذجاً أو نمطا جديداً من التجمع أو,المجتمع.