
Sign up to save your library
With an OverDrive account, you can save your favorite libraries for at-a-glance information about availability. Find out more about OverDrive accounts.
Find this title in Libby, the library reading app by OverDrive.

Search for a digital library with this title
Title found at these libraries:
Library Name | Distance |
---|---|
Loading... |
تمثّل جدليّة العنف والمقدّس في الإسلام إشكالية محرقة تثير أشد الأسئلة إحراجا على الضمير الإسلامي الجمعي. فلئن كان الدين يحثّ على التسامح ونبذ العنف من خلال التعاليم والمثل الخلقية، فإن التجربة التاريخية تثبت عكس ذلك، مما فسح مجالا واسعا للعنف التبادلي على الصعيدين المادي والرمزي. فما أن انتهت لحظة النبوة حتى عاد العنف إلى المجال الإسلامي، فنشبت الخصومات وتفشت الفتن والملاحم والاغتيالات في صفوف الصحابة ثم الجماعات الدينية فيما بعد. ولئن وقع تمثّل الإسلام التأسيسي الذي تجلّى في تجربة الرسول وصحابته على أنّه نموذج مرجعي لجلّ الحركات التاريخية اللاحقة التي ما انفكّت تعود إليه لاكتساب المشروعية والسيادة العليا، فإن الحفر في تلك الفترة يكشف عن حقائق مخالفة لما ترسّب في المخيال الديني. وساد في المتخيّل الجمعي تصوّر الإسلام الأول، أو إسلام الأصول على أنه لحظة استثنائية في التاريخ ومرحلة تأسيسية استطاع عصر النبوة أن يتسامى بها إلى ذروة النموذج المثال؛ إنها لحظة المقدّس بكل تجلياته. كما ظلت الخطابات الإسلامية تتزايد على إعادة إنتاج تلك اللحظة، لكنّ الدّارس لهذه الفترة ولغيرها من تاريخ الإسلام المبكر وحتى إسلام القرون المتأخرة، يقف على عدة حقائق لا تتماشى دائما مع ما ارتبط بالمخيال الجمعي من قداسة مبالغ فيها لهذا التاريخ. فإذا كان الإسلام وكما يقول لويس ماسينيون: "إرادة عيش مشترك" فإنه أيضا إرادة انفراد بالسلطة والامتيازات والمشروعية المؤسسة لها، وبذلت في سبيلها أرواح آلاف الضحايا، ومارست أنواعا من طقوس التضحية غير مبالية بما يثير ذلك من هول وحزن عظيمين. وفي هذا السياق يقول رينيه جيرار: "في كثير من الطقوس تظهر الضحية بطريقتين متعارضتين، تارة كـ"شيء مقدس جدا" يشكل الامتناع عنه إهمالا خطيرا، وتارة على خلاف ذلك كنوع من الجرم يشكل ارتكابه مجازفات خطيرة جدا." واتخذ العنف من حجاب المقدس وسيلة للتمويه والإخفاء وبذلك تمكن من اختراق الفضاء الإسلامي. وتزيّ بستار العنف التطهيري والعنف المقدّس أو الجهاد وإقامة شريعة الله وحدوده، ليتلوّن في الفترات المتأخرة بالدفاع عن المقدسات وحمايتها. وتوسل العنف بالمقدس المحتكر لذهنية التحريم لأنّه يطال "المحرمات والارتباطات الأساسية للوجود الإنساني" وأدى ذلك إلى تماهي المقدس بالمدنّس وتوظيف الديني في خدمة السياسي، فتحول الدين إلى ايديولوجيا للتبرير والتشريع. وقد وظّفت السلطة السياسية العلماء و"المؤسّسة الدينية" لتمرير خطاباتها وتوزيعها بطريقة تضمن استمراريتها وتكرّس قراراتها ومخططاتها. وتجلّى ذلك في التحالف بين العالم والسياسي أو التماهي بين السلطة السياسية و"السلطة الثقافة" بشكل يجعل مجرد التفكير في "فك الارتباط" أمرا متعذّرا، فلا مجال للفصل بينهما. ومكّن هذا التحالف المركز الماسك بالسيادة والثروة من فرض هيمنته، مقابل إعادة إنتاج هامشية "الأطراف".