أنا شاب يوشك على السقوط من حافة عِقدِه الثالث، اسمي هو "الباروني"، وهذا ليس اسم شهرتي أو لقب عائلتي، بل أنه اسمي الأول، أمي من انتخبته لي من بين أسماء جيراني، دون مراعاة لمراكزهم أو تاريخهم، وضعت شروطها عليهم دون حساب لمن عظمت مكانته العلمية، أو من خضع كتفيه لثقل نفوذه العسكري، أو من ملّكته أمواله زمام النفوس، لم يستطع أحدهم أن يزفر بنفس واحد معترض، وكيف يعترضون وهم أموات؟,نعم.. فأنا أقص عليكم الآن عبر مسجلي الصغير، أثناء جلوسي على أحد القبور ليلًا، فلقد ولدت هنا وعشت أيضا، أو بمعنى أدق حاولت أن أعيش.,بجواري يقع القبر الذي سميت على اسم صاحبه، هيئة القبر من الخارج كقصر يسكنه ملك الدنيا ولكنه في الحقيقة يسكنه ملك الموت، جدران رخامية تتنفس على سطح الأرض، تتغذى بواسطة جذورها العظمية، عظام "كاظم إبراهيم الباروني"، حكت لي أمي أنه في حياته كان واحدًا ممن أعطاهم الملك "الباشوية"، وهذا من الأسباب التي دعمت موقفه عندها.,فقد اصطفت قبور عديدة، حاملة على رأسها الشروط التي وضعتها أمي، ولكن تاريخ "كاظم الباروني" كان بمثابة كارت توصية قد قدم عند أقدامها، فمعظم الأسماء كانت تنتهي بلقب، وأغلب الألقاب تبدأ بحرفي الألف واللام، والعديد منهم يتصف بالهيبة والوقار، ولكن ليس كلهم أسماء باشوات حقيقية كالباروني.,وضعت أمي هذه الشروط لسبب واحد، حتى لا يموت اسمي، فلقد نسيت أن أخبركم باسم والدي الرباعي: (محمد محمد أحمد محمد)، واسم كهذا شائع جدًا في بلادنا للدرجة التي ينادى على صاحبه باسم عائلته عوضًا عنه.,وفي يوم ميلادي قد تحققت أول خطوة في حلمها، بعث اسم "الباروني" من جديد لتموت الأسماء السابقة، أملا في أن يعيش اسمي لقبًا في حياة القادمين من ذريتي.,وهنا يحضر السؤال: هل سوف يكون لي ذرية وأنا أسكن القبور؟ ليس قبل أن أدخل الدنيا، فلن أفعل كما فعل أبي بوضعه بذرة حياة في أرض الموت، فماذا حصد غير حياة نبضها الموت، دنيا عاشتها الآخرة، روح سكنتها الأشباح، ما فائدة حياة العظام غير استحلاب لعاب الكلاب؟,