يعتبر الفقر والجهل والمرض وسوء إدارة الموارد البشرية وفشل منظومة التجريم والعقاب من أهم أسباب الظواهر السيئة التى تعانى منها غالبية المجتمعات العاصرة، الأمر الذى أدى بكل من: علماء الاقتصاد والتربية والثقافة والطب والإدارة نحو البحث عن أفضل السبل للقضاء على تلك المسببات، بينما لم تزل منظومة التجريم والعقاب فى أمس الحاجة إلى إعادة نظر شاملة، على اعتبار أنها ذات أبعاد ممتدة إلى كافة نواحى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلة ذلك أن استمرار اعتماد تلك المنظومة على النظريات والآراء الفقهية العتيقة التى ظهرت فى العصور الوسطي، لا يعدو أن يكون صورة تطبيقية ممتدة لما كان سائدًا فى العصور المظلمة، وقت أن كان القانون العقابي محفوظًا فقط فى صدور الكهنة ورجال الدين. إضافة إلى ذلك فإن غالبية علماء الجريمة حول العالم قد آثروا الاعتماد على شرح أو نقد النظريات العقابية التقليدية التى كانت ولم تزل عقبة فى سبيل التطوير والانطلاق نحو غد أفضل يعلم فيه الفرد ماله من حقوق وما عليه من واجبات تجاه الآخرين الذين يعيشون معه فى مجتمع واحد تتعارض فيه المصالح والأهواء. حتى مبدأ الشرعية الجنائية الذى كان ولم يزل يتشدق به غالبية الحكام والمفكرين عبر التاريخ الحديث، لم يكن على المستوى المطلوب الذى يحقق آمال وطموحات البشر من وراء حقيقة تواجدهم فى تجمعات بشرية، حيث ثبت أنه لا يعنى سوى كتابة النص الجنائي، رغم محاولات بعض المحاكم العليا فى العديد من الدول تقييده، لكي يكون مقبولا من المخاطبين بأحكامه.