لهذا الكتاب قصّة.. كان في البدء سلسلة من محاضرات مُتفرقة ألقيناها في فضاءات ثقافية بطلب من بعض نُشطاء المجتمع المدني والسياسي بتونس الكبرى وببعض المناطق الداخلية بالتوازي مع انطلاق أشغال اللّجان المكلفة بإعداد الدستور التونسي الجديد بالمجلس الوطني التأسيسي في مستهل سنة 2012. كانت كلّ محاضرة تثير ردودا وهواجس وتخوفات من كل الأطراف، وأساسا تَخوّف الأوساط المُتديّنة من عامة الشعب من الهجمة الشّرسة على الإسلام وانعكاسها على تراجع مكانة الإسلام في الدستور الجديد من جهة، وتخوّف العلمانيين «الحداثيين» من عودة الإسلام بقوة بعد عقدين من سياسات الكبت وتجفيف المنابع وتأثيره المحتمل على مسار العلمنة الذي انتهجته تونس منذ العهد البورقـيبي من جهة أخرى. وفي كل مناسبة نلتقي فيها الحضور، تتشعّب الأسئلة وتتنوّع التَّحديات، فكان منا البحث والاستقصاء المتواصل من أجل محاولة الإحاطة بالإشكاليات المطروحة. وقد ألح علينا بعض الأصدقاء أن نُخْرِجَهَا للنّاس في كتاب مُستقل تعميما للفائدة. فرتبنا مضامينه في أجزاء وأقسام ومباحث.. واحتراما لكل القرّاء -متخصّصين في القانون الدستوري والعلوم السياسية وغير متخصصين- آثرنا أن نُزَاوِج بين الأسلوب العلمي الأكاديمي الرصين والأسلوب التبسيطي الذي يعتمد كثرة الأمثلة والوقائع والاستطرادات.. وأردنا قدر المستطاع أن يكون أسلوب الكتاب مباشرا دون تورية أو رمزية أو تقية، وأن نوثق فيه قدر المستطاع لزاوية من أكثر الزوايا إثارة للجدل وهي تلك المتعلقة بمكانة الإسلام في الدستور وتأثيره على المنظومة القانونية والقيمية للمجتمع التونسي. وقد وَسَّعـنا النظر في هذه النقطة، فاستعرضنا مختلف مُقاربات الإسلام والدستور: مقاربة تلازم الدين والدولة ومقاربة الفصل بين الدين والدولة ومقاربة الدولة الإسلامية.