حرائق مدينة آثمة

ebook

By سماح حسنين

cover image of حرائق مدينة آثمة

Sign up to save your library

With an OverDrive account, you can save your favorite libraries for at-a-glance information about availability. Find out more about OverDrive accounts.

   Not today

Find this title in Libby, the library reading app by OverDrive.

Download Libby on the App Store Download Libby on Google Play

Search for a digital library with this title

Title found at these libraries:

Library Name Distance
Loading...

كانت أسوأ مما رأيتها عليه من قبل، جبهتها ملفوفة بالشاش وأسفل عينيها طُبعت إصابات بالغة غطت نصف وجهها المثلثى الأسمر، حين شاهدتها أول مرة على باب البرج السكنى كانت تطير بفستانها الطويل نحوسيارتها، قالت لِـ»عدي» صديقي، دون أن تتوقف «لن أُسلم عليكَ الآن، تأخرتُ عن عملي، لك منى أربعة سلامات مؤجلة ولصديقكَ الذى لا أعرفه واحد آخر». ,,هى الوحيدة الناجية، كل من كان فى البرج السكنى استشهد فى مجزرة بشعة قام بها المحتل الصهيونى حين قصف البرج دون سابق إنذار، أتتنا دون شيء، لم يتعرف عليها أحد، وكل من معها دُفن على الفور فى نفس اليوم. ,لكنى أتذكرها جيدا، قابلتها مع «عدى» للمرة الثانية حين كانت تجلس فى المقهى بصحبةِ كتاب وثلاثة فناجين قهوة، أراد أن يُزعجها، فهاتفها قائلا: «لا يمكن لفتاة جميلة أن تجلس وحدها» وحين رفعت رأسها وجدتنا على الطاولة المقابلة لها، فابتسمت وتقدمت نحونا، وقبل أن تجلس قالت:,,- سأقول لخالتى إنك تُلاحق الفتيات فى المقاهى ,,- لا.. أقسم بالله هذا اقتراح كريم..,تعرفنا على بعض حينها,- كريم.. هذه سلام بنت الجيران، سلام.. هذا كريم صديقى.. ,«عُدى» أيضا استشهد، عشرون شهيدا ذهبوا، هكذا كشربة ماءٍ انزلقت مُسرعة فى حنجرة عطشان، اتَكَأتْ بعدهم الحرب على كوع يدها قليلا، كى تهضم باستمتاع ما ابتلعتهُ فى بطنها. ,

  • ,عشرة أيام مضت، كأنها كابوسٌ يُخزن كومة فاجعته فى غزة، يأبى أن يرحل دون الخراب الأعظم، دون شهقة تاسعة وعشرين ومليون.. أيام أخرى طُويت على العشرة، والناجية فى غيبوبتها بين مئات الأسّرة فى غرفة العناية المركزة يتشاطرون الوجع الذى وهبتهم إياه المدينة حين فاض عن قدرتها تحمله وحدها، بعدها تأكدت مخاوف الأطباء من خلل أصاب أجزاء فى الدماغ لديها، فأصبحت تعانى فقدانا للذاكرة، حين استيقظت لم تعرف شيئا، ولم تتعرف على نفسها، كانت تفيق من مفعول البنج رويدا وهى تهذى بجملة واحدة فقط «لحظة الانفجار الأخير»، بعدها طَرقت العاصفة الأولى أبواب موتها الجديد بعدما انهالت مع الانفجارات القادمة أسئلة عادية تحولت فى غزة إلى سابع المستحيلات.,- ماذا حدث! لِمَ أنا هنا ومن أكون؟ ,ولا أى إنسان فى هذا العالم كله يستطيع أن يُخبر أحدا من يكون، أوماذا يريد، وليس فى استطاعته أيضا أن يُعيد ضائع حربٍ إلى هُداه..,- من أكون؟ قالت. ,- سلام، أجابها الدكتور سليمان بحذر. ,- أنا لا أتذكر شيئا! ,- هذا طبيعى.. ستعودين مع الوقت كما كنتِ بالتدريج. ,- مع الوقت! سأعرف من أكون؟ سألتْ بصوت شحيح. ,- نعم، لديكِ إصابة بالغة فى المخ، أثرت على ذاكرتكِ قليلا. ,- المخ؟ ! قل.. ل.. ى ,انغمست فى نوم عميق، بعد أن أشار الدكتور سليمان لأحد الممرضين بوضع إبرة منوِّم فى المحلول المُلصق على يدها، نامت قبل أن تتحسس نكبتها كاملة. ,
  • ,أسابيعٌ وأنا أُمرن بكائى وأروضه، بين مستشفيات القطاع، أخوض معارك طبيب فلسطينى كل ما يبصرهُ فى الحروب نهما متوحشا يزداد على الآمنين فى بيوتهم. ,الحرب تحصد مع الشهداء صوتى، تعلن به أننا نملك روحا واحدة تعترف بقدسية الحياة فينا أكثر، لهذا تسرق الأطفال والنساء والرجال.. تسرق الجميع، ومن تتركه تُبقيهِ على أحسن حالاته مثل «سلام» فاقدا للذاكرة، وأسوأه مثلى فاقدا للرغبة فى الحياة..,
  • حرائق مدينة آثمة