لم يكن اختلاط الحابل بالنابل إلا النتيجة الحتمية لِما سُمِّي الثورة التونسية التي هي هبّة جماهيرية لا قيادة لها ولا برنامج، فهي أقرب إلى التعبير عن حالة غضب وتنفيس قبل أن تكون إطارا للبناء، لهذا السبب بالذات غابت النخبة الحقيقية التي عرفت تاريخ الوطن وخبرت معاناة أبنائه ليحتل المشهد العمومي صنف هش من خريجي السجون والقادمين من وراء البحار وشذاذ الآفاق ممّن لا هدف لهم سوى اقتناص الفرص والاستحواذ على المغانم ولو كان ذلك على حساب الوطن وقوت أبنائه، فقد عملنا فيما يلي من فصول على تقويم ما بدا لنا من قصور في الفهم وانحراف في التناول ووضع للمسائل في غير محلها وافتعال لسياقات لا دليل على صحتها وسلامتها، ورغم أن التونسي كما وصفه مؤرخنا الفذ محمد ابن الخوجة بأنه:"رقيق الحاشية يرضى حتى بالوصال الملفق" فإنه قادر في اللحظات المفصلية أن يقلب الموازين، وما ذلك بالمستحيل.