إن الشباب في إسرائيل سواء في المعسكرات أو في شوارع تل أبيب، يدورون في فلك محدود. فهم جميعًا يخافون النظر إلى بعيد، فهذه البلاد التي يعيشون فيها غريبة عنهم ومحاطة بخصومهم، الذين لا يرغبون في بقائهم. بالإضافة إلى الهوة العميقة بينهم وبين الماضي، فليس لهم إلا عيش الحاضر، بل الساعة التي هم فيها، يقتطفون الملذات من الأشجار المحرمة. وأينما سار فرد وجال ببصره في مختلف مظاهر الحياة هنا؛ وجد المجتمع الصاخب الغارق في الفساد إلى أذنيه"... هكذا وصفت الأديبة الإسرائيلية ياعيل دايان مجتمعها الإسرائيلي في كتابها "وجه المرآة". ,هكذا؛ من يقرأ ويتقصى الحقائق، ويتعمق في الداخل الإسرائيلي، ويطلع على التناقضات والصراعات والمشاكل الداخلية؛ يدرك هشاشة هذا المجتمع وفراغه من الداخل في ظل كم كبير من الصراعات والمشكلات والفساد والشذوذ.,فمازال المجتمع الإسرائيلى، منذ البدايات الأولى لقيام دولة إسرائيل وحتى وقتنا هذا، يبحث عن هويته وسط مجموعات بشرية تفصلها عن بعضها خيوط عرقية وثقافية كثيرة، وهو الأمر الذى راهنت الحركة الصهيونية على محوه وذوبانه، ولكنها فشلت في ذلك فشلاً ذريعًا، وبدا المجتمع الاسرائيلى، الآن، وهو بعيد تمامًا عن الطبيعية التى يطمح إلى تحقيقها، حيث وقع المجتمع الإسرائيلى في كثير من القضايا الشائكة التى تؤرقه وتبحث عن حل دون جدوى، وهو الأمر الذى دفع الكثير من المفكرين والأدباء الإسرائيليين إلى طرح قضايا ومشكلات حساسة بكل جرأة وعمق في محاولة للقفز على المسلمات الصهيونية تارة، وعيش الواقع تارة أخرى. وذلك من خلال تناول الأدباء الإسرائيليين لأهم القضايا الاجتماعية والمشكلات والمحن التى تجابه الدولة، مثل قضايا الهوية والتمرد على الصهيونية، وصراع المرأة مع المجتمع الذكوري، والتطرف الديني، ومكانة فلسطيني 1948 داخل المجتمع الإسرائيلي، وأزمة الوعي لدى الجندي الإسرائيلي على خط المواجهة مع الفلسطينيين، وغيرها من القضايا المهمة التي تفرزها طبيعة العلاقات داخل المجتمع الإسرائيلي المعاصر. ,وقد عزا بعض المفكرين الإسرائيليين حالة هذا المجتمع إلى الوضع النفسى المعقد الذى يعيشه منذ ولادته العسيرة عام 1948، فقد كشف لنا عدد كبير من علماء النفس في إسرائيل عن مرارة نفسية عميقة تضرب بجذورها في أعماق المجتمع الاسرائيلى، وشعور بالخطر الدائم حتى في أوقات الانتصار,