مع التغيرات التي طرأت على نظرية علم اللغة الحديث في العقود الثلاثة الأخيرة, و اكتشافه كثيرا من الظواهر و القايا الجديدة, صارت بعض الإشارات و اللمحات الفكرية القديمة قضايا و مسائل كبرى تستوقف الباحث المدقق و تمنحه فرصة جديدة للتحليل و التأصل و التمييز بين أشكال لغوية, تجاوزت الدراسات التقليدية ما بينها من تباينات و فروق. و قد كان من أهم التفريقات الاصطلاحية التي طورتها نظرية علم اللغة الحديث, لاسيما في حقل السانيات الاجتماعية, تفرقتها بين شكلين كبيرين للغة هما: اللغة المنطوقة و اللغة المكتوبة. و لا تنهض المقابلة بين هذين الشكلين على أساس التصورات و الافتراضات, و إنما تنهض على أساس التحقيق و الإنجاز الفعلي للغة و ما لها من طرق ووسائل تبليغية مختلفة. و يهدف هذا الكتاب إلى الإلمام المبدئي بنظرية اللغة المتطوقة و تنظيمها و إمداد الباحث اللغوي بمفاتيح موضوعية و منهجية و فكرية جديدة, تعين على تجديد الفكر اللغوي العربي و تدقيق النظر في نصوص العربية و تعميقه. و إذا كان البحث الذي بين أيدينا هو أول محاولة علمية في حقل الدراسات اللغوية العربية تطمح إلى الاكتمال و العمق و الإفادة من المراجع الأصلية المتخصصة في موضوعه, فإن طاحبه قد احتكم إلى درابته بما أنجز من أعمال لغوية في تسويغ التفاوت بين مباحث الكتاب الاثنى عشر تفاوتا كميا, فلم يتوقف عند مارأه غنيا عن مثل هذا التوقف, باذلا الجهد في عرض الأفكار و القضايا الجديدة و تفسيرها و التمثيل عليها, اقترابا من الهدف الذي سعى إلى نحقيقه.